الحجة الغائية في أثبات وجود الله
من سابع المستحيلات أثبات عدم وجود الله. ليس لأن الله
موجود كما يطيب للبعض الادعاء. بل لأن حجة ألأثبات دائماً أيجابية و تقع
على المدعي فقط و لا يمكن تطبيقها بالاتجاه الاخر. حيث لا يمكن أثبات عدم
وجود أي شئ, أكرر, أي شئ. لا يمكن أثبات عدم وجود البطة التي تحدثنا عنها
في المقال الماضي, و لا يمكن أثبات عدم وجود كلاب طائرة او حمير مجنحة او
ديناصورات حية تعيش بيننا, هذا لا يعني أنها موجود بأي حال من الاحوال, لكن
لسبب ما فأن الايمان بأحد هذه الكائنات المذكورة أعلاه يعد ضرباً في
الجنون, بينما لو آمن عدد كافي من الناس في مجتمع ما بوجود بطة عملاقة غير
مرئية و تم تعليمهم من الصغر بأنها موجودة و تطير على يمين و شمال المؤمن
بها لحمايته فأن عدم الايمان بها حينئذ سيعد ضرباً من ضروب الجنون. تماماً
كعدم ألأيمان بالله في مجتمعاتنا هذه الايام.
أما الفلاسفة
المدركين لغباء طلب (الدليل بعدم الوجود) فقد حاولوا لقرون طويلة جاهدين
إثبات هذا الوجود الافتراضي لله من خلال فرضيات فلسفية تخلص في خلاصتها
النهائية الى أن الله (يجب) ان يكون موجوداً. سأمر على أحداها هنا.
الحجة الغائية:
الحجة
الغائية تقوم على أن الكون على درجة عالية من التنظيم و روعة البناء لدرجة
يستحيل فيها أن يكون وليد الصدفة أو أن يكون وجوده عبثياً. و أن لم تكن
هذه الدقة العالية و الروعة الكونية قادمة من صدفة أذن لابد ان يكون هناك
مُصمِم, و المُصمِم هو طبعاُ الخالق. و هذا يعني ان الله موجود. (أنتهى)
يبدو
أن القائلين بالحجة الغائية ينسون أو يتناسون بأنه يوجد فعلاً شئ يجعل من
الاشياء منظمة على هذه الدرجة من الدقة و (الروعة) التي يتصورها البعض. هذا
الشئ أسمهُ القوانين الطبيعية و ليس الله. أن النظام الذي يراه الانسان من
حوله هو نتيجة طبيعية للتفاعل المستمر بين المادة و القوانين الطبيعية على
مدى العصور. و يقول قائل هنا بأن قوانين الطبيعة نفسها بحاجة لمن يُفسرها,
و هنا نقول بأن الله ذاتهُ يحتاج أيضاً لتفسير. و أذا كان الله يفسر نفسه
بنفسه فبالأحرى ان تقوم قوانين الطبيعة أيضاً بذلك.
من جهة ثانية و
بنظرة دقيقة لوقائع الامور لما توصلنا اليه من معلومات حول الكون من حولنا,
يجب الحذر عندما نقول بأن الكون دقيق التنظيم. هناك مجرات كاملة تبتلعها
ثقوب سوداء عملاقة (أحدها موجود في مركز مجرتنا), هناك نجوم عملاقة ترتطم
ببعضها و نجوم أخرى تنفجر تحت ضغط كتلتها مكونة مستعرات عظمى(السوبرنوفا). و
أذا أنتقلنا الى المستوى الذري نرى بأن الكون على درجة من العشوائية هناك
لدرجة تستدعي أيجاد عدة نظريات لتغطية تلك العشوائية الذرية (راجع
الفيزياء الكمية). نخلص لهذا بأن وهم النظام المتناهي الدقة لا يشكل الا
جزء صغير جداً من الواقع الذي نعيش فيه في هذا المكان الصغير من الكون و في
هذه الفسحة الزمنية الصغيرة جداً و التي سمحت بتطور و وجود جنسنا.
و
كي أكون منصفاً فأن الحجة الغائية لا تقدم حتى للمؤمن بالوجود الالهي أي
شئ. خصوصاً هؤلاء الذين شآئت الاقدار أن يلدوا ليجدوا أنفسهم مؤمنينن
بالاله الابراهيمي. فهل يجد المؤمن بالله بأن الحجة الغائية تقدم لهُ أي
دليل على أن...
أولا: بأن الله كلي القدرة: ربما هذا الله ليس بقادر
على أي شئ أكثر من خلق الكون؟ لا تخبرنا الحجة الغائية أي شئ عن هذا. ربما
أي واحد فينا يستطيع خلق كون مماثل فيما لو عرفنا الطريقة فقط.
ثانياً:
بأن الله خير مطلق: قدرته على الخلق لا تدل بأي شكل من الاشكال بأنه
شخصية خيرة او يريد الخير لخلائقه. تنسى الحجة الغائية ذكر سبب جعل الله
قوانين الطبيعة بهذه الصيغة التي قد تكبد الانسان اعظم الشرور, تسونامي
مثال واضح.
ثالثا: بأن الله واحد أحد: و لا تذكر الحجة الغائية أي شئ عن
أحتمالية وجود آلهة آخرين؟ ربما كل أله يتحكم بقانون طبيعي معين؟ ربما كل
هذه المجموعة من الآلهة ندعوها الله؟
رابعاً: بأن الله لايزال موجوداً:
لا تقدم الحجة الغائية اي دليل على وجود الله الحالي؟ ربما بعدما ان خلق
الكون بما فيه من قوانين طبيعية قرر الاختفاء الى العدم؟ أو ربما رحل الى
كون ثاني يبحث العزلة فيه؟
من الواضح بأن الحجة الغائية لا تقدم حتى
للمؤمنين بالله أي دليل أو سبب حقيقي للأيمان بالأله الابراهيمي. أنها هذا
النوع من الادلة الذي ينهار تحت ثقل نفسه من الخارج قبل ان ندخل في
تفاصيله من الداخل. و أن كان هذا الدليل لا ينفع المؤمنين حتى للأخذ بهِ
فكيف يتصور البعض بأنهم يستطيعون محاججه الملحدين بهِ مرة تلو الاخرى ثم
أخرى, ثم أخرى.. و الى أبد الآبدين؟ آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق