خطيئة لُغوية وانتكاسة علمية: في إحياء الإعجازيين لمركزية الأرض من الكون
Linguistic Transgression and Scientific Setback: On Reviving the World Geocentric
Model by Miraculous Claims ...
خطيئة لُغوية وانتكاسة علمية: في إحياء
الإعجازيين لمركزية الأرض من الكون، وادعاء مركزية مطلقة للكعبة
المشرفة(*)
عزالدين
كزابر
إقرأ أيضاً
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا
قال الله تعالى، أو قال رسوله (ص)، فما لنا إلا أن نقول: سمعنا واعتقدنا وأطعنا. فكلامه
تعالى الموحى به في كتابه، أو حديث رسوله (ص) مبلِّغاً عنه، يَدحض ويمحو ما قاله
الأولون والآخرون، ولو عمَّرت أقوالهم ورسخت في اعتقاد الناس آلاف السنين والقرون.
ولكن،
إذا لم يكن الأمر كذلك، ولم يكن أكثر من ظن الظانين بأنه قول الله أو لوازم قوله
تعالى، أو قول رسوله (ص)، فيجب أن نتوقف ونتحرى الأمر، فإن بان واستبان أخذنا به،
وإن تخاذل وانتكس رددناه. فالقول على الله تعالى لا يكون إلا بيقين، وبرهانٍ ساطعٍ
مبين، ومن تجرأ على ذلك بظنه، وفتن الناس وألبس عليهم دينهم، فعندئذ يكون باطن
الأرض أولى به من ظهرها.
فمن
أغرب ما نسمع ونقرأ في هذه المرحلة من تطور الفكر العلمي وتلاحق كشوفه، مَن يقوم
ليزعم - وجوب العودة إلى - مركزية الأرض من الكون، وهي النظرية التي سادت على
الأرض – حسبما يدل التاريخ المكتوب- قرابة ألفي عام. وقد دعمها - ربما - الإلف
القاصر للناس بثبات الأرض تحت أقدامهم، ثم تخلص منها الفكر الرصين رويداً رويدا في
مراحل متتابعة من نفض غبار التوهمات الباطلة عن الخلق والكون. وإذا تساءلنا: في
إطار أي دعوى عاد هذا الزعم من جديد؟! ولفرط الدهشة، سنجد أنه قام في إطار دعوى
الإعجاز العلمي في القرآن الكريم! أي أنه زعم على النقيض تماماً مما تستدعيه وجاهة
دعوى الإعجاز. لماذا؟ - لأن أصحاب الدعوى ينسبون كلامهم إلى وحي الله تعالى وكلامه
المبين. وباسمه تعالى ينطقون ويقيمون الحجة على صدق نسب وحيه إليه سبحانه. وبدلاً
من أن يأتي الزعم مؤيداً لمرادهم، نجدهم قد أتوا بزعم يعلم جميع المتخصصين فساده،
ودونما تحفظ ولا احتياط. فلا بد إذاً أن النتيجة ستكون على نقيض ما يأملون؛ أي أن
تأتي حصيلة مزاعمهم بشرود الناس عنهم وعما يزعمون، ونفرتهم مما يدعون إليه من
أشباه أفكار قد تجاوزها الزمن والعلم معاً. ويصح القول بأن شرود الناس عن الحق لا
يلام فيه أحدٌ سواهم، ولو ظنوه باطلاً وهو حق في نفسه. غير أن الأمر خلاف ما زعموا!
فلا هم أقاموا الدليل على فساد نقيض أقوالهم، ولا هم أثبتوا مرامي دعواهم؛ لذا
فالحق أحق أن يُكشف عنه غشاوات المزاعم الباطلة، ولو زعم بخلافه أحدٌ أنه الحق دون
ما سواه.
هذا وقد تحرر العلم من فكرة مركزية الأرض
من المجموعة الشمسية Geocentric Model بما اقترنت به من تصحيحات العلماء المسلمين
على نموذج بطليموس[1]
Ptolemaic System على نحو ما سنرى بعد قليل، ثم توالت الأدلة
بسيادة مركزية الشمس Heliocentrism للمجموعة الشمسية على الفهم العالمي لعلم
الفلك بما بناه كوبرنيكوس من نموذج الشمس المركزية، وإن كان قد سبقه من سبقه كما
اعترف هو[2]. فكيف بنا نقبل الآن بعودة مركزية الأرض في الكون في وقت يرفض
فيه العلم – أي الاستدلال العلمي وبرهانه الرصين – مركزية الأرض من المجموعة الشمسية،
وفي وقت ثبتت فيه آليات عمل الميكانيكا السماوية celestial mechanicsالأساسية بما يستحيل
معه أن تدور الشمس حول الأرض! أم أن الأرض تدور حول الشمس وتظل الأرض في مركز الكون!!!
وهو ما لا يقبله عاقل وعى ما جاءت به الميكانيكا من باهر الاستدلالات، إلا أن نطرح
أبجديات الفهم ونسوق أنفسنا وراء كل زاعم بأن حدود عقله هو، هو ما أتى به القرآن!!!
ومثلما هو الحال عندنا، فنجد في
الغرب أيضاً من يُنادي بمركزية الأرض من الكون عند بعض المُتدينين من أهل الكتاب
من ذوي الاهتمامات الفلكية[3] ، هذا إذا انتبه لهم أحدٌ أو اكترث بوجودهم.
وهؤلاء يدعون إلى ما يُسمَّى بالمذهب الجديد في مركزية الأرضModern Geocentrism . ومَرَدْ هذا المذهب إلى الأصول الدينية
في الكتاب المقدس The Bible
(أي: الإرث اليهودي المسيحي من كتب سماوية). والغريب أن
تُبعث هذه الدعوات في الوقت الذي كان قد انفض الجدل حول هذه القضية في القرن السابع
عشر رغم عنف المقاومة التي لاقتها أفكار كوبرنيكوس وقتئذ[4]. وأشد ما نخشاه
أن تقترن دعوى الإعجاز في القرآن الكريم في هذه المسألة لمن ينادي بها – على نحو
ما سنرى - بتلك الدعوى في الكتاب المقدس، وهو الاقتران الذي قد ينمحي على إثره ما بينهما
من فروق في المصدرية التدوينية، فتنسحب على القرآن شكوك سلامة التدوين وسلامة حرفية
النص القرآني من عبث المدونين، كما حكى القرآن عن اليهود وأفعالهم، والقرآن وتدوينه
من ذلك بريء كل البراءة.
ونظراً لأن الفيزياء الفلكية الحديثة
لا تعين مركزاً للكون، ولا تفتقر إلاَّ إلى الحركة النسبية بين أجرامه في العرف العلمي
المعاصر، فيصبح الزعم بمركزية موضع ما من الكون – وإن بدى عليه السكون الظاهري - دعوى
خارجة عن إمكانية التفنيد falsifiability، ومن ثم تخرج عن تعريف القضايا
العلمية حسب منهجية كارل بوبرKarl
Popper؛ لذا، لا يُعد
هذا الزعم نظرية theory – إن جاء في سياق التنظير العلمي- ولا فرضية
hypothesis ولا حتى مقترحاً proposition يمكن أن يُؤخذ بالاعتبار
لاستحالة اختباره. وقولٌ هذا حاله لا عبرة له في إطار الأدلة والبراهين وحجاج
الملحدين. ومن أراد أن يتخذه معتقداً دوجمائياً غيبياً في ظنه فليفعل، غير أن هذا لا
يُلزم أحداً من الناس غيره لم تقم الأدلة عنده على سلامته من الدحض والتفنيد. أما الزعم
بأن أحدَ الأجرام السماوية السابحة في أفلام متراكبة - كما هو الحال في شأن كواكب المجموعة
الشمسية – يمثل أحدها بذاته مركزاً للكون، يُعد زعماً يسيراً في التفنيد بما يؤهله
ليكون مسألة فيزيائية لطلاب السنة الأولى الجامعية على أقصى تقدير.
وإن جاء هذا الزعم مدعوماً ببرهان نصي
أو تفسيري أو تأويلي لكلام الله تعالى أو لرسوله صلى الله عليه وسلم فلنعكف على فحصه
وتحقيقه، وسنرى أننا لمّا فعلنا ذلك تهاوت استدلالات الزعم سريعاً، ولم يبق له من الصحة
نصيب. ومما يؤسف له أن مراجعة منهجية البحث اللغوي والتأويلي لأصحاب هذا الزعم تكشف
عن غياب تام لأسرار التأويل القرآني وفهم كلام الله تعالى، حسب ما قرره أهل هذه الصناعة
من علماء اللغة والتفسير على تطاول القرون ومنذ نزول القرآن وحفظه بين دفتي المصحف
الشريف.
قد
لا نجد مسألة علمية تبلبل الأولون والتابعون، وتابعوهم فيها على مدى آلاف السنين،
مثلما حاروا وترددوا في موقع الأرض من السماء وعلاقتها المكانية بالأجرام الدائبة
الحركة من حولها. ويمكننا أن نتعقب ذلك بشكل تفصيلي على مدى ألفين من السنين أو
يزيد، فنرى فيها كيف ارتقى الفهم الإنساني بما أودع الله تعالى فيه من ملكة النظر
والتحقيق والتصويب والبناء العقلي ما أوصله إلى روعة علمية ودقة فهم وحسن تنبؤ أدت
إلى فهم جلي راسخ على نحو بالغ الدقة في علاقة الأرض بالشمس والكواكب وتوابعها.
وقد
مثلت هذه السنين الطوال تاريخاً متصلاً لهذه المسألة منذ البابليين والمصريين
الأوائل في محاولاتهم التنبؤ بمواعيد الكسوفات والخسوفات، ثم ورث اليونان محيط
البحر المتوسط وما أنتج أهله من حضارات فسطو على فكر أهله ونسبوها لأنفسهم وبنوا
عليها، ثم جاء الإسلاميون أمناء ناقلين ناقدين مبدعين مضيفين، ثم تلاهم العصر
الأوربي الوسيط وعلى نهج أجدادهم ساروا، ثم جاء عصرهم الحديث وما تفتقت عنه السنون
والكشوف من ظهور آيات الله تعالى في إبداعه لما خلق. ولا يمكن للمرء إلا أن ينحني
لله تعالى على خلقه للعقل الإنساني الرائع الذي محص النظر وراء النظر والقياس وراء
القياس، حتى انضبطت الأمور واتضحت الصورة، وارتفع البناء، وأصبح بالإمكان ارتقاءه
بلا عناء. ونقصد أن يحط الإنسان دوابه السابحة في الفضاء على ما شاء من كواكب
معلومة، بخطأ على طول الرحلة لا يصل إلى سمك شعرة على رأس الإنسان من قامته، بل
أدنى من ذلك بكثير. ولو لم يستقم تنظيره لموقع الأرض من محيطها، لما وصل حيث أراد،
ولكنه وصل، فتنظيره إذاً قريبٌ قريب.
إدعاءات مركزية الأرض من الكون في إطار الإعجاز العلمي وارتكازه
على خطيئة لُغوية!
قيل[5]:[قوله تعالى "يَا
مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ
أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا
بِسُلْطَانٍ، فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ، يُرْسَلُ
عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ"(الرحمن:33-35) ... الدلالة اللغوية ... (أقطار) : قطر كل شكل وكل جسم الخط
الواصل من أحد أطرافه إلي الطرف المقابل مرورا بمركزه].
وقيل[6]:"قطر
أي شكل هندسي هو الخط الواصل بين طرفيه مرورا بمركزه فإذا انطبقت أقطار السماوات ـ
مع ضخامتها ـ مع أقطار الأرض ـ علي ضآلتها النسبية ـ فلابد وأن تكون الأرض في مركز
السماوات. ... كل ذلك يؤكد لنا أن الأرض في مركز الكون وأن الكعبة المشرفة في
مركز الأرض الأولي ومن دونها ست أرضين ومن حولها سبع سماوات والكعبة تحت البيت
المعمور مباشرة وهو كعبة الملائكة. ... فسبحان الذي اختار مكة المكرمة موقعاً
لأول بيتٍ عُبد فيه في الأرض, واختاره بهذه المركزية من الكون".
نرى
من ذلك أحد أهم الأخطاء التي يرتكبها المفسرون والمشتغلون بالإعجاز وأشدها فداحة،
وذلك ببناء التفسير على دلالات لُغوية خاطئة. وقد يُعذر المفسرون الذين لا يقطعون
بلزوم المعنى الذي يقترحونه بالآية، وإنما يأتون به على محض الإمكان، إلا أن
المشتغلين بالإعجاز لا عذر لهم، لأنهم يوظفون هذا الاستدلال بما يحمل من صحة أو
خطأ في تحدي الغير بالقرآن، وهنا تكمن المخاطرة والمسئولية الكبرى بالتوظيف لما
يحتمل أن يكون خاطئ الدلالة. وذلك لما يؤدي إليه من خسران التحدي لا بسبب النص
المعصوم، بل بسبب التعجل الاستدلالي بما هو غير محقق.
ونرى
في المسألة الراهنة مثالاً جلياً لهذا الاستدلال الخاطئ، وذلك باعتماد دلالة
لُغوية حديثة تم المواضعة عليها لمعنى اصطلاحي خاص، وذلك للفظ قديم الدلالة، وهذا
اللفظ هو (أقطار)، ودلالتها القديمة الأصيلة هي "النواحي والجهات" هكذا
بالجمع. ونرى في المقالة أعلى ما يقوله صاحبها من معنى تم اصطلاحه وتخصيصه لاحقاً
عند أهل الهندسة وهذا المعنى هو أن "قطر كل شكل وكل جسم الخط الواصل من أحد
أطرافه إلي الطرف المقابل مرورا بمركزه". ونستنكر بشدة أن يصطلح جماعة
منا على ما يشاؤون من ألفاظ وردت بالقرآن على المعنى العربي، وبما يكون اصطلاحهم
مخصص، أو ربما مجافي للمعنى الأول، ثم يُسقطون ما تواضعوا عليه حديثاً ليختلقوا
لمفردات القرآن ما لم يرد في معناها المراد، ويتأولون على الله سبحانه ما لم يرد
في كتابه. وهذا هو عين ما نجده من تحريف الدلالة التي نحن بصددها هنا. فنقل دلالة
(أقطار الشيء) من المعنى الأصيل: (نواحي الشيء وجهاته الواقعة على أطرافه)، إلى
المعنى الاصطلاحي: (الخطوط المارة من أطراف الشيء إلى الأطراف المقابلة مروراً
بالمركز) يُعد تحريفاً جسيماً يجب كشفه والتحذير من التمادي فيه وفي أمثاله . وقد
انتبه غيرنا إلى نماذج أخرى لهذا النوع من الخطأ[7].
ولنرى
الآن كيف وظَّف صاحب المقالة أعلاه هذا المعنى المستحدث للفظ (أقطار):
قال[8]:"بالنسبة
للنفاذ من أقطار الأرض: إذا كان المقصود من هذه الآيات الكريمة إشعار كل من الجن
والإنس بعجزهما عن النفاذ من اقطار كل من الأرض علي حدة, والسماوات علي حدة, فإن
المعارف الحديثة تؤكد ذلك, لأن اقطار الأرض تتراوح بين (12756) كيلو مترا بالنسبة
إلي متوسط قطرها الاستوائي, (12713) كيلو مترا بالنسبة إلي متوسط قطرها القطبي,
وذلك لأن الأرض ليست تامة الاستدارة لانبعاجها قليلا عند خط الاستواء, وتفلطحها قليلا
عند القطبين. ويستحيل علي الإنسان اختراق الارض من أقطارها لارتفاع كل من الضغط والحرارة
باستمرار في اتجاه المركز مما لا تطيقه القدرة البشرية, ولا التقنيات المتقدمة التي
حققها إنسان هذا العصر, فعلي الرغم من التطور المذهل في تقنيات حفر الآبار العميقة
التي طورها الإنسان بحثا عن النفط والغاز الطبيعي فإن هذه الاجهزة العملاقة لم تستطع
حتي اليوم تجاوز عمق14 كيلو مترا من الغلاف الصخري للأرض, وهذا يمثل 0,2% تقريبا
من طول نصف قطر الأرض الاستوائي, وعند هذا العمق تعجز أدوات الحفر عن الاستمرار في
عملها لتزايد الضغط وللارتفاع الكبير في درجات الحرارة إلي درجة قد تؤدي إلي صهر تلك
الأدوات, فمن الثابت علمياً ان درجة الحرارة تزداد باستمرار من سطح الأرض في اتجاه
مركزها حتي تصل إلي ما يقرب من درجة حرارة سطح الشمس المقدرة بستة آلاف درجة مئوية
حسب بعض التقديرات, ومن هنا كان عجز الإنسان عن الوصول إلي تلك المناطق الفائقة الحرارة
والضغط, وفي ذلك يقول الحق (تبارك وتعالي) مخاطبا الإنسان "ولا تمش في
الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا"(الإسراء:37)".
أدى الاستدلال الخاطئ بلفظ "أقطار"
بصاحب المقالة إلى الذهاب بعيداً جداً عن مقصد الآيات. فالقول بأن: "أقطار
الأرض تتراوح بين (12756) كيلو مترا بالنسبة إلي متوسط قطرها الاستوائي, (12713)
كيلو مترا بالنسبة إلي متوسط قطرها القطبي" لا علاقة له البتة بقول الحق تبارك
وتعالى "أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض - الآية"! ويذكرنا هذا التباعد
عن مقصد الآية بمن ظن أن لفظ "سيارة" في زمن يوسف عليه السلام كان يشير
إلى المركبة المتحركة على عجلات ونعهدها الآن على الطرق، مستدلاً على ذلك[9]
من قول الله تعالى "وجاءت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه.."(يوسف:
19).
وماذا لو أن المشتغلين بصناعة الترجمة
أيام نقل كتب اليونان إلى العربية، والمشتغلين بالهندسة والحساب أيام ابن سينا وغيره،
كانوا قد استخدموا لفظاً آخر غير لفظ "قطر" و"أقطار" ليعني الخط
الواصل بين طرفين متقابلين لدائرة ويمر بالمركز!، ماذا لو أن اللفظ المستخدم كان
"وتر"، هل كانت علاقة الآية عندئذ لتنتفي بالمسافات التي ذكرها صاحب المقالة
بين سطوح الأرض مروراً بمركزها؟ - بمعنى آخر، هل تتوقف دلالة الآية على المواضعة اللغوية
على مفردات القرآن بعد نزول القرآن؟ - لا يجرؤ أحد على الإجابة بالإيجاب، بل يجب على
كلَّ ذي لُب ويفهم لغة القرآن أن يستنكر ذلك، ولو لم نفعل ليحيدن كل ذي رغبة تأويلية
لما شاء بما شاء بإسقاط دلالاته الخارقة بالمواضعة اللغوية الحادثة على آيات الوحي،
فيتأول على الله تعالى ما لم ينزل به الوحي.
قيل[10]:"بالنسبة
للنفاذ من أقطار السماوات والأرض معاً: تشير الآيات الكريمة إلي أن التحدي الذي تجابه
به الجن والإنس هو النفاذ من أقطار السماوات والأرض معا إن استطاعوا, وثبت عجزهما
عن النفاذ من أقطار أي منهما, وعجزهما أشد إذا كانت المطالبة بالنفاذ من أقطارهما
معا, إذا كان هذا هو مقصود الآيات الكريمة, فإنه يمكن أن يشير إلي معني
في غاية الأهمية ألا وهو توسط الأرض للكون; وهو معني لا تستطيع علوم الفلك إثباته
لعجز الإنسان عن الإحاطة بأبعاد الكون.
القول بأن "النفاذ من أقطار السماوات
والأرض معا ... يمكن أن يشير إلي معني في غاية الأهمية ألا وهو توسط الأرض للكون"
معنى مستأنف مبني على الدلالة الهندسية للأقطار التي أتى بها صاحب المقال. ولا بد
أن يؤدي تحريف الدلالات عن مقصدها إلى أخطاء صريحة في الواقع إذا أُسقطت عليه.
فالاشتراك بين أقطار السموات والأرض، أدى إلى معنى مركب يصنع قطراً (هندسيا)
واحداً لكل من الأرض والسموات. وهذا التوحد أو التطابق يتطلب أن يقع مركز الأرض
على مركز السموات!!! وإلا لما تطابقت الأقطار. فأي مجافاة للحقيقة تقود بنا هذه
الدلالات. وأي إعجاز هذا الذي يتحدى المشككين في القرآن بمثل تلك الأخطاء التي جُل
ما تفعله أن تثير الشفقة علينا وعلى أفهامنا! إن القرآن بريء من هذه الأفهام التي
تؤذينا في عقولنا، وتجعل من لا وزن لهم منّا ساخرين.
أما القول بأن هذا الـ"معني لا
تستطيع علوم الفلك إثباته لعجز الإنسان عن الإحاطة بأبعاد الكون"، فكلام
مبني على توهم استحالة إثبات النقيض. ومن ثم فقائله في مأمن من التخطئة. وهذا نفسه
خطأ. ويشبه هذا الكلام في الاستطراد من يضيف إلى كتاب الله تعالى معنى يظن أنه
راجح حسب قدراته المعرفية، فإذا سأل خبيراً أو مرت السنون وأتت حضارات أكثر علماً فضحت
أقواله وخطأت أفعاله. ألا نرى مثل ذلك في ما كتب اليهود من أن عمر الكون أربعة
آلاف ونيف من السنين استدلالاً من التوراة، وكانوا يظنون أن لا أحد يستطيع إثبات
النقيض. نعم الفارق بين هذا وذاك كبير. فهولاء كان منهم من يحرف الكلم عن مواضعه
وهو يعلم، أما في موقفنا هنا فحسن النية مقدم على ما سواها لما نعلم من خير ما
يبتغيه صاحب المقالة. إلا أن حسن النية مع احتمال الخطأ منهي عنه، وإذا كان في حق
كتاب الله فالرد عليه يتطلب التعنيف. ويغنينا في هذا المقام قول ابن تيمة رحمه
الله حين قال: "العلم اما نقل مصدق عن معصوم واما قول عليه دليل معلوم وما سوى
هذا فاما مزيف مردود واما موقوف لا يُعلم..."[11].
قيل في موضع آخر[12]:"وللتأكيد
علي حقيقة خلق الكون تذكر الآيات أن لله... ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما,
وما تحت الثري, ...., كما أن في الآية الكريمة إشارة ضمنية أيضا إلي مركزية الأرض
بالنسبة إلي الكون, لأن البينية الفاصلة للأرض عن السماوات لا تتم إلا إذا كانت الأرض
في مركز الكون"، وفي موضع ثالث قيل[13]:" وهذه البينية
التي تفصل الأرض عن السماوات تشير إلي مركزية الأرض من السماوات وهو مالا تستطيع العلوم
المكتسبة إثباته"، وفي موضع رابع قيل[14]:"الإشارة الضمنية
الرقيقة إلي مركزية الأرض من الكون بالوصف القرآني الكريم رب السماوات والأرض وما بينهما..
والتي تكررت في كتاب الله عشرين مرة, ولا يمكن لهذه البينية أن تتحقق إلا إذا كانت
الأرض في مركز الكون.".
تكرر في هذه الإحالات – كما نلاحظ –
التأكيد على أن البينية المشار إليها بين الأرض والسموات تشير إلى مركزية للأرض من
الكون. وهذا استدلال في منتهى الغرابة. فما الذي يمنع أن لا تكون الأرض في المركز
ويظل ما بينها وبين السموات هو هو؟ سواء كان المقصود من الآيه هو السحاب المسخر
بين السماء والأرض أو غيره، كما في قوله تعالى "إن في خلق السموات والأرض...
والسحاب المسخر بين السموات والأرض لآيات لقوم يعلمون"(البقرة: 164). وإذا
كانت تلك البينية تشير بعلة مجهولة بأن الأرض في مركز الكون، فماذا عن باقي
الكواكب - كالمريخ- التي تجوبها السحب وإن كانت من غازات أخرى؟ ألا تكون تلك السحب
أيضاً واقعة بين أرض المريخ والسموات؟ ألا يجعل ذلك من كوكب المريخ هو أيضاً
مركزاً للكون؟ فكيف يكون للكون مركزان متباينان؟ ألا يدل ذلك على فساد الاستدلال؟
قيل[15]:"يدعم هذا
الاستنتاج ما رواه كل من قتادة والسدي أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال يوما
لأصحابه: هل تدرون ما البيت المعمور؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال (صلي الله
عليه وسلم): فإنه مسجد في السماء بحيال الكعبة لو خر لخر عليها, يصلي فيه كل يوم
سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا آخر ما عليهم. وتوسط الأرض للكون معني حارت
فيه عقول العلماء والمفكرين عبر التاريخ. وعجزت العلوم المكتسبة والتقنيات الفائقة
عن إثباته, ولكن ما جاء في هذه الآيات الكريمة, وفي هذا الحديث النبوي الشريف يشير
إليه, ويجعل المنطق السوي يقبله.".
القول "عجزت العلوم المكتسبة
والتقنيات الفائقة عن إثباته" قول لا أصل له، فلم تجري محاولة مأثورة ولا
مذكورة لاختبار توسط الأرض في السماء، لأنه قول لا يحتاج إلى إثبات لمخالفته آليات
الميكانيكا السماوية. والذي جرى كان محاولات إيجاد سرعة الأرض المطلقة في الكون
على سلبية نتائجها[16]، أما المعلوم يقيناً فهو أن الأرض تجري في مدار
حقيقي حول مركز كتلة المجموعة الشمسية الذي يتنقل هو والشمس حول بعضهما في مساران
مُركّبان بما يجعل المركز أحياناً داخل الشمس وأحياناً خارجها، أنظر شكل (1)،(2).
وتجري المجموعة الشمسية بمركز كتلتها حول مركز مجرتنا the milky way في مدار يبعد عن مركزها
بـ (7.94 ± 0.42) [17] كيلو بارسيك kpc (كيلو بارسيك = 3262 سنة
ضوئية). وتتحرك مجرتنا في الفضاء بالنسبة إلى المجرات القريبة بسرعة تتراوح بين
130 كم/ث إلى 1000 كم/ث، وباستخدام خلفية الإشعاع الكوني cosmic
microwave background
فإن سرعة مركز مجرتنا galactic center GC
هي[18] (552.2 ± 5.5) كم/ث بالنسبة لفوتونات هذه الخلفية. وتصبح الكرة
الأرضية في هذا الوضع كنقطة زرقاء على عقرب ساعة يد يلبسها قاطع تذاكر الركوب المتنقل
في حافلة/باص يتحرك حركة مكوكية في مدينة كبيرة غير معلوم حجمها. فالمدينة هي
الكون، والباص هو المجرة، وساعة يد قاطع التذاكر هي المجموعة الشمسية، والنقطة على
عقرب الساعة هي الكرة الأرضية. ويصبح السؤال عن مركزية النقطة الزرقاء على عقرب
ساعة اليد بالنسبة إلى المدينة مثل السؤال عن مركزية الأرض في الكون. وبقدر
استحالة استحضار السؤال الأول، ينبغي عدم استحضار السؤال الثاني. ويصبح الحديث عن
حيرة عقول العلماء والمفكرين عبر التاريخ عن توسط الأرض للكون ومحاولة إثباته حيرة
لم ترد إلا في عقول بعض الناس الذين أساءوا الفهم. ويصبح الزعم بـ "عجز
العلوم المكتسبة والتقنيات الفائقة عن إثبات ذلك" عجزاً موهوماً.
قيل[19]: "القرآن
الكريم والسنة النبوية المطهرة يؤكدان توسط الأرض للكون: ... إن مقابلة القرآن الكريم
(في مئات من آياته) للأرض مع السماء أو مع السماوات ـ علي ضآلة أبعاد الأرض بالنسبة
إلي أبعاد السماوات ـ يؤكد أهمية موقع الأرض من الكون. ... إن ذكر القرآن الكريم
للنصين (السماوات والأرض وما بينهما), و(السماء والأرض وما بينهما) في عشرين
موضعا منه يؤكد مركزية الأرض من السماء الدنيا, ومن مجموع السماوات السبع; وذلك
لأن هذه البينية لايمكن أن تتم لو لم تكن الأرض في مركز السماوات السبع. ....
ويؤكد ذلك جمع القرآن الكريم لأقطار السماوات والأرض في وصف واحد كما جاء في قول الحق
(تبارك وتعالي): يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض
فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان (الرحمن:33). وذلك لأن قطر أي شكل هندسي هو الخط
الواصل بين طرفيه, مرورا بمركزه, فإذا توحدت أقطار السماوات والأرض فمعني ذلك أن
الأرض لابد وأن تكون في مركز الكون. .... ويؤكد ما سبق حديث رسول الله (صلي الله عليه وسلم)
الذي يرويه مجاهد عنه بقوله (عليه الصلاة والسلام): إن الحرم حرم مناء من السماوات
السبع والأرضين السبع أي في وضع متوسط منها; لأن الوصف مناء معناه قصده وعلي حذاه.".
تحقيق لُغوي للفظ "أقطار":
نقول: جاء في كتاب "اللمع في
العربية لابن جني" يشرح ظرف المكان إذا كان مبهماً، يقول: "المبهم ما لم
تكن له أقطار تحصره ولا نهايات تحيط به نحو خلفك وأمامك وقدامك ووراءك
وإزاءك وتلقاءك وتجاهك وقربك وقريبا منك. فيكون معنى أقطار الشيء: جوانبه
أو نواحيه التي ينتهي إليها الشيء من جهاته المختلفة. وهذا هو معنى لفظ
(أقطارها) في قوله تعالى: "وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ
إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا
وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ
لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيرًا"(الأحزاب: 13،14)، قال
الطبري في تفسيره: "يعني من جوانبها ونواحيها".
وجاء في المحكم لابن سيده، "طحرت
الريح السحاب تطحره طحرا وهي طحور: فرقته في أقطار السماء". أي نواحيها
المختلفة. وقال: القطر الناحية والجانب، والجمع أقطار.
وقال أيضاً في المخصص: العارِضُ من السحابِ
الذي يَعْرِضُ في قُطْرٍ من أقطارِ السماءِ. وقال: القُطْر والقُتْر - ناحية الشيء
ومن الإنسان جانبه والجمع أقطار.
وتكاد تطبق جميع التفاسير والمعاجم
على هذا المعنى. إلا أن بعض المعاجم الحديثة أضافت معاني اصطلاحية مع التنصيص على
التخصص الذي تقيد استخدام المعنى فيه. لذا نقرأ في المعجم الوسيط: "(القطر): الناحية،
وفي التنزيل العزيز "إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا "
ومنه قيل القطر لجملة من البلاد والنواحي تتميز باسم خاص، ومن الإنسان شقه وجانبه،
ويقال: جمع فلان قطرية تكبر متغضبا، ومن الفرس ما أشرف من أعاليه، (ج) أقطار، وقطر
الدائرة (في الهندسة) الخط المستقيم الذي يقسم الدائرة ومحيطها إلى قسمين متساويين
مارا بمركزها.".
وعليه يكون استخدام المعنى الهندسي
للفظ (القطر) غير مُلزم إلا لأهل الهندسة، وفقط اعتباراً من زمن المواضعة على هذا
المعنى، وما يلزم عنها من هندسة إنشائية أو عمرانية أو ميكانيكية أو ما شابه. أما
معاني ألفاظ القرآن فلا تتقيد بما استحدث للألفاظ من تخصيصات أو من تحويرات
اصطلاحية، وخاصة إذا لم يكن بين المعنى القديم والمعنى الاصطلاحي اشتقاق دلالي كما
هو الحال مع لفظ "محيط". حيث أن لفظ "محيط الدائرة" مقبول
الدلالة لصراحة الاشتقاق من أنه الخط الحاوي للدائرة، أي المحيط بها. أما لفظ
"القطر" المخصص في الهندسة، وباعتباره المنصف للدائرة ويمر بمركزها، فلا
اشتقاق له من الأصل اللغوي لمعنى القطر الذي هو الناحية من الشيء والجانب منه. ولو
كان لنا أن نصحح هذه التسمية بما يمكن اشتقاقه الدلالي من أصل اللفظ لكان الأولى
أن يُخصَّص لفظ (القُطر) لمقطع الدائرة sector
المحصور بين المحيط وأقرب الأوتار إليه، كما هو موضح بشكل (5).
لكل هذا يعد القول بأن (أقطار
السموات والأرض) هي (أقطار هندسية): خطيئة لغوية؟
رحلة العقل الإنساني في بحثه عن موقع الأرض من السماء عبر ألفين من السنين:
نموذج أرسطو[20]
اعتمد أرسطو – في القرن الرابع قبل
الميلاد- تركيب العالم[21] على أنه يؤول إلى أربعة عناصر: التراب
والماء والهواء والنار. ووضع أرسطو الأرض في مركز العالم. وجعل هذه العناصر
الأربعة تحت فلك القمر الذي هو أقرب جرم سماوي للأرض شكل (6) [22].
وفي فلك البروج – أي تلك الكرة التي
تحمل النجوم جميعاً حسبما كان يتوهم القدماء - كان هناك سبعة كواكب، أو نجوم[23]
متحيرة[24] ، تسبح في السماء على نحو مشاهد، بالإضافة إلى أنها كانت
تدور مع فلك البروج حول الأرض في يوم وليلة جملة واحدة. وهذه هي: القمر وعطارد
والزهرة والمريخ والشمس والمشترى وزحل. ويقع وراء ذلك النجوم الثابتة. وتبعاً
لأرسطو فإن العناصر الفيزيائية الأربعة كانت تتحرك حركة علوية أو سفلية فقط؛ أي
بصورة متعامدة، اعتماداً على سماويتها أو أرضيتها، ولم تكن الأجرام السماوية من
هذه العناصر الأربعة، بل كانت من عنصر خامس خالص، طبيعته أن يتحرك في دوائر تامة
حول الأرض في كل يومٍ وليلة، وتصور أرسطو الأرض على أنها في مركز العالم وأنها
مركز هذه الدوائر جميعاً أو الأفلاك، وأنها تحمل تلك الأجسام السماوية وأن كل
الحركات منتظمة، أي بلا أدنى تغير.
تعديلات بطليموس على أرسطو في كتاب المجسطي[25]
انتبه
المهتمون بالمسائل الفلكية بعد أرسطو إلى أن الأجسام السماوية لا تتحرك حسبما كان
يظن أرسطو. وبدا لهم أن الأرض ليست في مركز الأفلاك تماماً، وأن حركة الأجسام
السماوية ليست منتظمة، أما المشكلة الأشد وضوحاً فهي في الكواكب البعيدة، والتي
كانت تتوقف في مسارها، ثم تتقهقر إلى الخلف لفترة زمنية، ثم تعود فتتقدم ثانيةً،
وتستمر في مسارها، أي المتحيرة wandering stars. وفي القرن الميلادي الثاني، وضع بطليموس كتابه
"المجسطي"، وشمل فيه افتراضات عدد من الفلكيين والتي تقترح أن هذه
الكواكب تدور في الحقيقة في أفلاك تدوير حول الأفلاك الدائرية (وتسمى أفلاك
الإرجاء)، أنظر شكل (7) [26].
ومن ثم تتحرك الكواكب على مسار لولبي
حول دائرة تدور حول الأرض. كما لوحظ أيضاً أن الأرض لا تقع تماماً على المركز، بل
تنزاح عنه بانزياح eccentric
يمكن حسابه، في حين تدور الكواكب حول نقطة وسطية. وقد وضع بطليموس نقطة على خط
مستقيم من الجهة الأخرى من هذا الانزياح، وسماها نقطة التعادل، أو المعادل equant. وحول نقطة الوسط تدور
الأجسام السماوية بشكل منتظم. (أنظر
شكل 9)
[27].
وبالإضافة إلى ذلك، فإن نموذج
بطليموس في المجسطي، وبخلاف نموذج أرسطو، لا يتعمد أن يصف عالماً واقعياً.
فالفلكيون الذين اتبعوا بطليموس في هذا النموذج لم يهتموا إذا ما كان هذا النموذج
يصف تماماً حركة الأجسام السماوية، وإنما كان اهتمامهم منصباً على إنقاذ النموذج
بصفته آلة يُستنبط منها مواضع الكواكب بأفضل تقريب في أي لحظة زمنية. وقد نجح
بطليموس في حدود عمره، وبدون تلسكوبات، وبدون مساعدة من فلكيين متخصصين، من إنجاز
مهمة التنبؤ بمواضع الأجسام السماوية[28].
وفي تصور خاص بكوكب عطارد، أدخل
بطليموس فلك تدوير لمركز الإزاحة كما في شكل (10) [29].
مشاكل وإشكالات نموذج بطليموس[30]:
تضمن نموذج بطليموس لأفلاك الكواكب –
والواردة في كتابيه المجسطي والاقتصاص – مشاكل وإشكالات عديدة، أما المشاكل فهي:
·
مشكلة
المحاذاة.
·
مشاكل ميل وانحراف
فلكي عطارد والزهرة.
·
مشكلة معدل
المسير في هيئة الكواكب العليا.
·
مشكلة توافق أبعاد
الكواكب على اعتبار أنها مرصوفة ضمن طبقات كروية يحتوي بعضها على بعض.
وأما الإشكالات فهي:
الإشكال الأول: يتعلق
بالسرعة والبطء والتوسط، وهي الحركيات التي لا تليق بالفلكيات البسيطة.
الإشكال الثاني: يتعلق بمظاهر
بعض الكواكب، إذ أن أحجامهما تبدو في بعض الأحيان أعظم من أحجامها في احيان أخرى.
الإشكال الثالث: يتعلق بمظاهر
الوقوع والرجوع والاستقامة للكواكب، وهي ظاهرات تناقض مع الانتظام المفترض لحركات
الكواكب.
الإشكال الرابع: حول كون
الحركة مستوية حول نقطة غير مركز مدار محركها. وهي المسماة بإشكال معدل السير، وتعم
جميع هيئات أفلاك الكواكب.
الإشكال الخامس: ويقع عند كون
الحركة مستوية حول نقطة مع القرب والبعد عنها، وتطلب حل هذا الإشكال استخدام
مبرهنة رياضية – تعرف اليوم بإسم "مزدوجة الطوسي". وسنأتي على ذكر هذه
المبرهنة في ذكر العلاقة بين كوبرنيكوس وما اقتبسه من الرياضيات العربية في كتابه
"دوران الأجرام السماوية" On the Revolutions of the Celestial
Spheres.
الإشكال السادس: وينجم عن
ضرورة إنحراف قطر كرة متحركة عن مركز الكرة الحاملة المحركة.
الإشكال السابع: ويحدث عن عدم
إتمام الدورة في حركة الأفلاك السماوية.
تتابع نقد نموذج بطليموس ومحاولات التصحيح من قبل علماء المسلمين:
ظهر في القرن الحادي عشر الميلادي
اتجاهان في نقد نموذج بطليموس؛ الأول في الكشف عن مشاكل هيئة بطليموس، والثاني في
استنباط هيئة بديلة لا تعتريها تلك المشاكل.
ومن أمثلة نقد هيئة بطليموس كتاب ابن
الهيثم (ت 1040م) وعنوانه "الشكوك على بطليموس"، وقد أسهب في تحليل
أخطاء بطليموس الفلكية وخاصة في كتابيه: المجسطي والاقتصاص، وأعمال أخرى له تتعلق
بعلم المناظر. ومن خلاصات آرائه في ذلك، قوله[31]: "الأشبه
بالإنصاف أن بطليموس لو قدر على هيئة يقررها للكواكب لا يلزم فيها شيء من المحالات
لقالها وقررها، ولم يعدل عنها إلى ما قرره الذي يلزم عنه المحالات الفاحشة، وإنما
قنع بما قرره لأنه لم يقدر على أجود منه، والصحيح الذي لا شبهة فيه أن هيئات حركات
الكواكب هيئات صحيحة موجودة مطردة لا يلزم فيها شيء من المحالات ولا من المناقضات،
وهي غير الهيئات التي قررها بطليموس، وما وقف عليها بطليموس، ولا وصل فهمه إلى
تخيل حقيقتها". وقال أيضاً[32]: "افترض بطليموس نظاماً/توزيعاً
لا يمكن أن يكون قائماً، ومع توهم بطليموس أن هذا النظام ينتج عنه حركة الكواكب التي
نراها إلا أنه لم يستطع باستخدام هذا النموذج التحرر من أخطاء ارتكبها في هذا النظام
المفترض، لأن حركات الكواكب لا يمكن أن تكون نتيجة لذلك التوزيع".
وصدر أيضاً نقدٌ ثانٍ[33]
لهيئة بطليموس في كتاب: "الاستدراك على بطليموس" (صاحبه مجهول، وكان
يعيش في الأندلس في القرن الحادي عشر)، وذلك ما يفهم من عمل آخر له بعنوان كتاب
الهيئة، وذلك لفقدان الكتاب الأول.
وقالت زيجرد هونكه[34]: [قامت
في الشرق، وخاصة في أسبانيا ومراكش أصوات تشك في نظريات بطليموس المتأثرة بأفكار أرسطو.
وانطلاقاً من الفيلسوف ابن باجه (Ibn Badscha)
السرقسطي، توارث المفكرون مدة ثلاثة أجيال، روح النقد والرغبة في البحث عن تياليب
(طبيعية) تشرح ظواهر السماء بشكل إقناعي. هذا وإن الصراع الفكري القائم بين نظريات
أرسطو وبطليموس، والذي حمل لواءه في المغرب العربي، تلامذة ابن باجه، ذهاباً من ابن
طفيل، إلى أبي بكر الرازي، وابن رشد (Averroes)
والبطروجي (Alpetragius)،
وانتقل الصراع في القرنين الثالث عشر والرابع عشر إلى فرنسا وألمانيا، وخاض فيه رجال
من أمثال ألبرت الكبير (Albert Don Groben)،
وتوما الأكويني (Thomas Von Aquin)،
وروجر بيكون (Roger Bacon)،
ويوحنا بوريدن (Jean Buridon)،
وديترش فون فرايبرج (Dietrich Von Freiberg)
صراعاً ترك في بلاد الغرب حركة في الحياة الفكرية وثورة].
أما محاولات تصحيح هيئة بطليموس على
صورة هيئات بديلة للهيئة البطلمية، فقد تعاقبت على مدى أربعة قرون، ويمكن تتبع
توجهين أساسيين في ذلك، مثلهما بعمق مدرستان في العالم الإسلامي، هما: المدرسة
الأندلسية[35]، وروادها: جابر بن أفلح (توفى في منتصف القرن الثاني عشر
الميلادي)، والبطروجي (1190م)، وابن رشد (1198م) وغيرهم. ويمكن استخلاص توجه علماء
الفلك الأندلسيون في نقد وتصحيح هيئة بطليموس، في أنهم "كانوا يصبون اهتمامهم
على عدم إمكانية وجود الأفلاك الخارجة المراكز وأفلاك التدوير، لأنها كانت تتعارض
مع المبدأ الأرسطي القائل بوجود مركز للعالم تدور حوله جميع الحركات الدورية."[36].
ثم المدرسة الشرقية في مرصد مراغة[37]،
وهي الأكثر نشاطاً وتأثيراً، ويتسم نشاطها بشيء من التناسق والترابط. وكانت مشكلة
هذه المدرسة "استنباط هيئات تتلاءم مع الأرصاد البطلمية، وتفسر الظواهر،
وتكون متماسكة من وجهتي النظر الرياضية والفيزيائية. أو بعبارة أخرى: كان اهتمامهم
ينصب حول إيجاد هيئات يستطيعون بواسطتها أن يصفون حركات الأفلاك، التي تحمل
الكواكب المختلفة، بتعابير هندسية رياضية، دون أن تتعارض الفرضيات الرياضية مع
المعطيات الفيزيائية"، وذلك بأفضل مما جاء به بطليموس وتصحيحاً لكلامه
وهيئاته. ومن رواد هذه المدرسة: إبن الشاطر (ت 1357م) في كتابه "نهاية السول
في تصحيح الأصول"، ومؤيد الدين العُرضي (ت 1266م) في مؤلفه "كتاب
الهيئة"، والطوسي (ت 1274) في كتاب "التذكرة في علم الهيئة" ومؤلف
آخر له هو "تحرير المجسطي" وضعه عام 1247م. ثم قطب الدين الشيرازي في
كتابه "نهاية الإدراك"، وكتاب لاحق سماه "التحفة"، وأبو عبيد
الجوزجاني (ت 1070م) تلميذ ابن سينا ومعاونه، وله رسالة في إصلاح هيئة بطليموس
بتقديم حل لإشكال معدل المسير. ثم علاء الدين القوشجي (ت 1474م الذي انتقد هيئة
بطليموس لكوكب عطارد واقترح حله الخاص لها.
ولا يتسع المقام لعرض تصحيحات هؤلاء
العلماء على نموذج بطليموس وتطويرهم للنموذج بنماذج أكثر تفصيلاً وإصابة. غير أن
الأجدر بالملاحظة هنا فهو التطور الرياضي التحليلي الذي أدخلوه مع الزمن لوصف
آليات الحركة. وتمثل ذلك أيما تمثُّل في أحد البراهين الهامة والتي وضعها الطوسي
وسًمّيت بـ"مزدوجة الطوسي"[38] – أنظر شكل (11)،(13).
نمذجة معاصرة لآلية الطوسي(32)
وقد وضع الطوسي هذا النموذج عوضاً عن
الفلك الحامل – للقمر- الخارج المركز، والذي سًمِّي بإزاحة التعادل equant في هيئة بطليموس[39]
والمثير للإشكالات. كما أن الطوسي قد أبدع في تطوير هذه الآلية وجعلها منها
مزدوجة كروية شبيهة بالمزدوجة المستوية. وبعدما تيقن الطوسي من فوائد هذه المزدوجة
عممها ليحل بها إشكال هيئة الكواكب العليا[40]. أنظر شكل (13) في كيفية
عمل هذه الآلية.
كوبرنيكوس وكتابه On the Revolutions of the Heavenly Spheres
يُعتبر كتاب كوبرنيكوس (1473-1543)
المشار إليه النقلة النوعية الحقيقية التي غيرت نظر الإنسان من مركزية كونية للأرض
والإنسان إلى مركزية مغايرة، وذلك حسب الرواية الغربية. ومن المفارقات أن هذا
الكتاب كان أسوأ الكتب قراءة وانتشاراً[41]، حتى أن جاليليو نفسه لم
يقرأه كما استدل البعض على ذلك[42]. ربما لأن النموذج الذي قدمه
كوبرنيكوس كان شديد التعقيد، حتى أن الدوائر (أفلاك التدوير) التي شملها النموذج
وصلت إلى 48 دائرة[43].
ويمكن وصف هذا الكتاب ذائع الصيت
بإيجاز فيما يلي[44]: [يبدأ الكتاب بموجز يمثل 5% من حجم الكتاب –أقل
من 20 صفحة- يصف فيه كوبرنيكوس تصوره للعالم الذي تسكن فيه الشمس في الوسط ويحيط
بالعالم في النهاية كرة النجوم الثابتة وهي أيضاً ساكنة وتحوي بداخلها حجماً
ثابتاً. وحول الشمس تدور الكواكب: عطارد فالزهرة فالأرض فالمريخ فالمشترى فزحل،
هكذا على الترتيب. أما القمر فيدور حول الأرض، وتدور الأرض حول محورها مرة كل يوم
وليلة، فيما يبدو لنا وكأنه دوران كامل البناء السماوي. كما أن مسار الشمس السنوي
وفصول السنة يبرره دوران الأرض في فلكها حول الشمس. ولنفس السبب يمكن تبرير مواقع
الكواكب وحركتها الارتجاعية. أما باقي الكتاب (95%) فيمثل محاولات تطبيقات لهذه
الأفكار. وإذا ما تتبعتنا هذه التطبيقات حتى آخرها لوجدنا أنها تنسف تماماً الموجز
الفكري الأولي حتى لم يعد يتبقى منه شيء!!!
لذلك لا نجد في نهاية الكتاب أي خلاصة أو نتيجة، رغم أن الوعود بذلك توالت
خلال الكتاب]. ومن ذلك لا بد أن نستنتج أن كتاب كوبرنيكوس لم يكن أكثر من تخمين conjecture لم يستطع أن يبرهن صاحبه
عليه، ويبدو أن المصدر الذي اعتمد عليه كوبرنيكوس في بناء هذا التخمين كان نموذج
كابيلا، كما أشرنا إلى ذلك في (حاشية رقم 2)، كما أن عدد أفلاك التدوير epicycles التي استخدمها كوبرنيكوس
قد وصلت إلى 48 دائرة، رغم أنها كانت 40 دائرة فقط[45] في نظام
بطليموس! وكان الأدعى أن ينخفض عددها لا أن يزيد!
غير أن الفائدة العظمى للنظام
الكوبرنيكي – بعيداً عن الموجز الكلامي لفكرة كوبرنيكوس- كانت في[46] [التبسيط
الرياضي الذي ظهر عليه النظام، متمثلاً في إلغاء المركزية العالمية لدوران الكواكب
حول الأرض، وجعلها تدور حول نقطة قريبة من الشمس (وكان ذلك من الإشكالات العالقة
وخاصة أنها نقطة في الفضاء الخالي)، إضافة إلى الإلغاء التام للحركات الارتجاعية
للكواكب، التي كثيراً ما أزعجت علماء الفلك]. وقد آلت هذه الصورة الرياضية بنظام
كوبرنيكوس الرياضي إلى أنه ليس نظاماً كوكبياً مركزي الشمس heliocentric، بل مركزي الفراغ vacuo-centric
system. أو أنه نظامٌ
من أنظمة الهندسة الفضائية بلا أي مرجعية لواقعية فيزيائية (بتعبير أوسياندر Osiander صاحب تقديم الكتاب في
نسخته الأصلية). وربما كانت هذه الإشارات التي أوردها أوسياندر هي ما خففت من
معارضة الكنيسة لنشر الكتاب.
وبالتنقيب في إضافات كوبرنيكوس
الرياضية، وُجد أنها جاءت من عدد الآليات التي لم تكن معروفة في الثقافة الأوربية
الوسيطة القائمة على رياضيات إقليدس ونظام بطليموس. وقد مثلت الآلية الرياضية
"مزدوجة الطوسي" واحدة من عدد من الآليات التي ابتكرها الفلكيون العرب
لحساب فلك الكواكب. والجدير بالذكر أن هذه الآلية وُجدت في كتاب كوبرنيكوس في
بنائه لرياضيات فلكية جديدة بدون إشارة إلى مصدرها، مما زاد الشكوك في كيفية حصول
كوبرنيكوس عليها وتكتمه على مصدرها[47] .
كما وجدت أيضاً مبرهنة أخرى ابتكرها
مؤيد الدين العُرضي، وسميت بـ "مبرهنة العُرضي" Al-Urdi’s
Lemma أدرجها
كوبرنيكوس في رياضاياته الجديدة بلا برهان، حتى أن كبلر تساءل عن سبب عدم برهنة
كوبرنيكوس لها[48]،[49]. وأستبعد عدد من الباحثين[50] في
تاريخ علم الفلك قدرة كوبرنيكوس على صناعة رياضة جديدة لعلم الفلك بما توافر من
هندسة إقليدس ورياضيات المجسطي، وبدون مثل تلك الإضافات التي لا بد وأن تكون قد
وصلت إليه عبر سلسلة غير مكتشفة بعد من العلوم العربية الفلكية والرياضية المترجمة
إلى اللاتينية واليونانية البيزنطية، ما كان له أن يُضيف أي جديد من رياضيات
فلكية.
تيكو براهيه Techo Brahe
إحتفي تيكو براهيه (1546-1601)
كثيراً بكوبرنيكوس، وثمَّن له قدرته على حذف إزاحة التعادل equant من نظام بطليموس (والتي
يعود الفضل فيها إلى مزدوجة الطوسي والتي لم يكن لكوبرنيكوس فيها ناقة ولا جمل)،
وتركيب النظام الكوكبي. إلا أن تيكوبراهيه لم يستطع أن يتبنى النظام الكوبرنيكي
بالكامل لأسباب دينية، لأنه كان على خلاف ظاهر مع ما ينص عليه الكتاب المقدس. حيث
جاء في آياته: "الأَرْضُ تَثَبَّتَتْ فَلَنْ تَتَزَعْزَعَ" (psalm 91-1)، "الأَرْضُ قَدِ اسْتَقَرَّتْ
مُطْمَئِنَّةً" (psalm 96-10)،
"الْمُؤَسِّسُ الأَرْضَ عَلَى قَوَاعِدِهَا فَلاَ تَتَزَعْزَعُ إِلَى الدَّهْرِ
وَالأَبَدِ "(psalm 104-5)،
5الشَّمْسُ تُشْرِقُ ثُمَّ تَغْرُبُ، مُسْرِعَةً إِلَى مَوْضِعِهَا الَّذِي مِنْهُ
طَلَعَتْ."(Ecclesiastes 1:5).
وبخلاف الأسباب الدينية، فقد احتج تيكو على رفضه لدوران الأرض حول الشمس بأن
النجوم يجب أن تتوزع بشكل مختلف عند رؤيتها من الأرض بين أي لحظتين بينهما 6 أشهر،
وهي الظاهرة التي تسمى باختلاف المنظر parallax.
ولأن هذه الظاهرة غير مرئية، فلا بد أن تكون الأرض غير متحركة بالنسبة للنجوم،
وبالتالي تكون الشمس هي الدائرة حولها. (وتسقط هذه الحجة الأخيرة بالطبع بمعرفة
المسافات الحقيقية التي تبعد بها النجوم عن الأرض، على خلاف ما كان يظن تيكو
ومعاصريه، ومن ثم، فاختلاف المنظر ظاهرة حقيقية، إلا أنها دقيقة للغاية لكي تراها
العين المجردة، وهو ما لم يتم إلا في القرن التاسع عشر).
لذا قام تيكو[51] بعمل
موازنة بين النظامين، أو ما يمكن تسميته النظام الأرضي-الشمسي-المركزي geoheliostatic. والتي تدور فيه الكواكب
القريبة حول الشمس، ثم يدور هذا النظام مع الكواكب العليا حول الأرض كمركز للعالم.
أنظر شكل (14).
وعلى هذا الوضع أصبح نظام تيكوبراهيه
منافساً لنظام كوبرنيكوس في مقابلة نظام بطليموس. وبحلول سنة 1610 – وخاصة بعدما
رصد جاليليو أوجه كوكب الزهرة – احتجب نظام بطليموس علمياً واستقر الرهان بين
نظامي تيكو وكوبرنيكوس. غير أن نظام تيكو كان أكثر قبولاً لأنه أقرب إلى بديهة
الناس في ظنهم بسكون الأرض في الوقت الذي تسبح فيه الشمس وباقي الكواكب أمامهم ليل
نهار! هذا بالإضافة إلى حجج تيكو المشار إليها أعلى والتي كانت وجيهة لحد كبير في
حدود الثقافة السائدة وقتها عن أبعاد النجوم عن الأرض، وعدم إحاطتهم بعد بظواهر
الحركة الميكانيكية التي أهمها "القصور الذاتي" والتي يستشعر الواقع
فيها أنه ساكن رغم حركته الحقيقية.
غير أن المساهمة الحقيقية التي تُحمد
لتيكو براهيه هي فيما شرع فيه ونفذه من إجراء أرصاد واقعية عالية القيمة لم يُسبق
إليها لمواقع الكواكب والنجوم[52]. وقد ورث عنه كبلر – والذي عمل معه
كمساعد أول الأمر- هذه الأرصاد، أو سطا عليها. واعتماداً على هذه الأرصاد البالغة
القيمة، اكتشف كبلر أن حركة الكواكب إهليجية الشكل ellipses وصاغ من واقع تلك الأرصاد
القوانين الثلاث المنسوبة له.
كِبلر Kepler
كان يوهان كبلر (1571-1630) مؤيداً
ومدافعاً عن نموذج كوبرنيكوس، حتى أنه أورد في كتابه الأول "اللغز
الكوني" Mysterium Cosmographicum
المشاكل العديدة التي لم يكن لها حل إلا في إطار نظام كوبرنيكوس. [وقد فعل ذلك
بتفصيل المسائل رياضياً وبيانياً أكثر كثيراً مما فعله كوبرنيكوس نفسه، سواء من
حيث عدد المسائل أو من حيث رصانتها الرياضية][53]. كما أنه [أورد في
نفس الكتاب فصلاً يحاول فيه التوفيق بين نظرية كوبرنيكوس وآيات الكتاب المقدس التي
يبدو أنها تعارضه][54]. ومع تَدَيُّن كبلر، فقد كان مغرماً بالتوافقات
الهندسية harmonics
القائمة على تناغمات موسيقية؛ لذا كان يبحث عن تلك التوافقات التي خلق الله تعالى
عليها حركة الأجرام السماوية[55]، وهذا ما دعاه إلى نشر كتاب بعنوان
"تناغم الأكوان"[56] (
Harmonices Mundi "Harmony of the Worlds").
وبالجمع بين البيانات الرصدية التي تحصل عليها بعد خلافته لتيكو براهي من مرصده،
والبحث عن توافقات هندسية سماوية، توصل إلى معادلاته الثلاثة المعروفة بـ
"قوانين كبلر في حركة الكواكب" وذلك في كتابه الهام "Epitome of Copernican
Astronomy" الذي صدر تباعاً في ثلاثة أجزاء في الأعوام 1617
و 1620 و 1621. وتنص هذه القوانين على أن: (1) يدور كل كوكب في فلك إهليجي تقع
الشمس في إحدى بؤرتيه. (2) الخط الواصل من الكوكب إلى الشمس يمسح مساحات متساوية
في أزمنة متساوية. (3) يتناسب مربع سنة الكوكب طردياً مع مكعب نصف المحور الأكبر
للمسار الإهليجي له.
جاليليو Galilio
لم يكن لجاليليو (1564-1642) مساهمة
نظرية كبيرة في نمذجة النظام الكوكبي، بل إنه [كان معارضاً لأفلاك الكواكب
الإهليجية الشكل][57] التي اكتشفها كبلر (المعاصر له)، وكان يُصر على
أنها دوائر خالصة. إلا أن مساهمته الحقيقية تنصب على اكتشافاته الرصدية – المتمثلة
في أطوار كوكب الزهرة وأقمار المشترى الأربعة الكبرى، والبقع الشمسية - باستخدامه
التلسكوب لأول مرة في تاريخ الفلك، حتى أنه لُقِّب بـ "أبو الفلك الرصدي
الحديث"[58]. وكانت نتيجة هذه الارصاد دعماً للنظام المركزي للشمس
وحصر المنافسة بين نظامي كوبرنيكس و تيكو براهيه مع استبعاد جذري لنظام بطليموس
القائم على مركزية الأرض، ومن هنا كان تصادمه مع الكنيسة الكاثوليكية. لماذا؟ لأنه
أول من أقام هذا التصور على أرضية صلبة من نتائج رصدية إمبريقية لا خلاف عليها،
بخلاف كل سابقيه الذين كانت دعواهم بـ (لا مركزية الأرض) دعوات نظرية[59] لا
تعتبرها الكنيسة أكثر من توهمات. وربما أنها استفادت منها باعتبارها آليات حسابية
تعين على حساب المواقيت التي كانت تهتم بها الكنيسة في الطقوس الدينية. لذلك فرضت
الكنيسة على جاليليو إعلان إنكاره لمركزية الشمس، وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله في سنوات عمره الأخيرة.
نيوتن Newton
يُعد الإنجاز الذي حققه إسحاق نيوتن
(1643-1727) في هذه الرحلة العلمية الكبرى في تاريخ البشرية إنجازاً رائعاً بحق؛
فقد توج به – إلى حدٍّ كبير وإن كان غير نهائي - جهود ألفي عام من البحث الفلكي
والميكانيكي، وخاصة في مسألة وضع الأرض من الكون، والتي نُعنى بها هنا. فلأول مرة
يكتشف الإنسان - من جراء هذا الإنجاز - أن السنن الكونية على الأرض من معاني
المادة والحركة والمعادلات الحاكمة لها، هي نفسها السنن الكونية في السماء
والفاعلة في حركة أجرامها. وهذا كان بعيداً كل البعد عن ذهن الأقدمين، الذين وضعوا
للسماء – أي كل ما فوق فلك القمر – نظاماً مثالياً لا يعتريه الفساد (يقصدون بذلك
التعقيد الشديد في ظواهر المناخ وتضاريس سطح الأرض وظواهر الزلازل والعواصف ...
إلخ) الذي يشوب ما على الأرض من ظواهر في الخلق. فكان إنجاز نيوتن أن أثبت أن
السماء مثلها مثل الأرض، فيها الكون والفساد؛ أي مزيج من المثالية والتشويش.
ولم يقم إنجاز نيوتن على محص تصورات
ولا نظريات ، كما كان الحال مع كوبرنيكوس، بل كان إنجازه تحليلي رياضي موافق لما
تم رصده في جداول الرصد الفلكية، سواء ما قام بها تيكوبراهيه بصرياً، أو جاليليو
تلسكوبياً، أو من تابعهم.
وتمثل إنجاز نيوتن أولاً في اشتقاق
قوانين الحركة الثلاث، اعتماداً على فرضية قانون التربيع العكسي للقوى، والتي
نشرها أولاً في كتابه "حول حركة الأجسام في فلكها" "De motu
corporum in gyrum "
الذي أرسله إلى إدموند هالي Edmund Halley
سنة 1684. وحاول في هذا الكتاب تأسيس قواعد لما أصبح يعرف بالديناميكا الحديثة،
وقد بسط منهجيته بدعمها باشتقاق قوانين كبلر الثلاث المشار إليها آنفاً. ويوجد من
هذا الكتاب ثلاث نسخ تختلف فيما بينها إختلافات بينة. ثم أتى كتابه الشهير
"المبادئ الرياضية في الفلسفة الطبيعية" Philosophiæ
Naturalis Principia Mathematica
ليستوفي فيه قانون الجاذبية مع قوانين الحركة ويصقل التصور الجديد للميكانيكا
الجديدة ويهذب كتابه الأول.
فماذا كانت النتيجة؟ - اعتُمِدت
الأفلاك الإهليجية للكواكب استدلالياً وتحليلياً من معادلات الحركة الناتجة، وصدقت
قوانين كبلر الثلاث، وتبين أن الأجرام مهما كانت كتلتها تتثاقل ناحية بعضها وتسقط
سقوطاً حراً، ومع تقاربها وبما تمتلك من اتجاهات وسرعات وما ينتج عنها من تعجلات
تعرج في السماء ناحية بعضها بعضا، حائمة بلا ارتطام، ومتمركزة حول مركز كتلتها.
فأصبح مركز الدوران لأي جرمين يتثاقلاً هكذا هو مركز الكتلة barycenter. وهذا المركز ليس بمركز
دائرة، بل بؤرة واحدة لمدارين إهليجيين يسلكهما كلا الجرمين. فلم يعد هناك بؤرة بعينها
يمثلها أحد الأجرام، بل أصبحت بؤرة الدوران أقرب للجرم الأكبر كتلة. وكلما زادت
الكتلة مالت البؤرة إليه. فإذا علمنا أن أكبر كواكب المجموعة الشمسية، وهو
المشترى، لا تزيد كتلته عن جزئين من ألف جزء من كتلة الشمس، أدركنا كم تكون بؤرة
دوران أجرام المجموعة الشمسية – بما فيها الشمس – أقرب ما تكون للشمس، حتى أنها في
معظم أوقاتها تقع داخل جرم الشمس نفسه أو قريباً من سطحه، أنظر شكل (1)، (2) أعلى.
والحاصل أن الشمس نفسها مع عظم جرمها، تترنح حول هذه البؤرة بفعل حركة الكواكب حتى
أنها تبتعد عنها أحياناً بمثل قطرها (الهندسي طبعاً)، ثم تعود إليها!
والآن أين أصبح نظام الأرض المركزية؟
.... لا بد أنه أصبح في خبر كان! ..... أصبح وهماً توهمه القدماء بسبب من نطاق
المعلومات الضيق الذي حاصرهم. لهذا قال الله تعالى "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ"(يونس: 101)، إنه النظر: أي الرصد، لتتسع دائرة
الرؤية والنطاق المعرفي. وقال تعالى " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى ... وَإِلَى
السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ"(الغاشية: 17-18). إنه النظر الكيفي: أي التحليلي
والتعليلي. ولكن من يعي ويأتمر ويكن عابداً عالماً؟
وهل فعل من اكتشف كل هذه الكشوف
المتتالية من أرصاد وتحليلات وافتراضات ونظريات غير النظر والبحث عن الكيفية؟ -
إنها الطريقة التي علمها الله تعالى للإنسان في تقدير خلقه، وفي كتابه المبين. ثم
يأتي أناسٌ يفسرون لنا كلام الله تعالى بغير أثارة من علم. ثم ماذا ؟! يعاجزون
بفهمهم الناس ويفترون على كتاب الله تعالى ما لم يقله لا صراحة ولا استدلالا؛
يضعون كتاب الله تعالى في موقف يدافع فيه عن نفسه وهو الـ "فصل ليس
بالهزل"، يحكم على غيره ولا يحكم عليه، ويضعون المؤمنين في فتنة يتساقط منهم
بسببها من يتساقط بسبب ضعف مناعتهم العلمية، وهم غير قليل، وقد نتعرض لاحقاً
لأمثلة من الانتكاسات العلمية، والترنح الفكري، لهؤلاء المتساقطين.
النظرية النسبية العامة
أتت النسبية العامة عام 1916 بعمق
فيزيائي جديد لتصور الفضاء وعلاقته بالكتل السابحة فيه. ويمكن الاستفادة من هذه
النظرية في غرضين رئيسيين: الأول، غرض تعليمي يقرب للأفهام سبب التثاقل (الظاهري)
بين الأجرام في صورة بيانية، أما الثاني، فهو الآلية الرياضية التي تتيح دقة أعلى
لقيم المتغيرات الفيزيائية المرتبطة بالتأثير التثاقلي/التعجلي، وخاصة دقة مسارات
الكواكب. وفي إطار الغرض التعليمي، يصور لنا الشكل (16) كيف يؤثر الجرم الأكبر
كتلة على الفضاء المحيط به بما يجعله يبدو كالوادي السحيق (الوهدة العميقة) بقدر
ما يحمل من كتلة.
وفي هذا التصور الهندسي للفضاء، وإن
كان تأويلاً للرياضيات الهيكلية للنظرية النسبية العامة، نجد استحالة كبرى لأن
تتمركز الأرض بالنسبة لمحيطها من المجموعة الشمسية. وإذا علمنا أن الشمس ليست إلا
هباءة تدور حول مركز مجرة درب التبانه في دورة هائلة كل 224 مليون سنة، لكانت
الإستحالة أشد وأعظم، لماذا؟ لأن تمركز الأرض في نقطة مركزية من الكون سيتطلب أن
يكون محيطها من الشمس والكواكب أولاً هو الدوار حولها، وثانياً دوران المحيط
المجري بعظمه حولها. وهذا التصور المركزي للأرض يصبح كالضرب في عماية.
وإذا قيل: إن إثبات مركزية الأرض
"معني لا تستطيع علوم الفلك إثباته لعجز الإنسان عن الإحاطة بأبعاد الكون"
– كما سبق ورأينا – نقول: إن إثبات نقيض ذلك في أيدينا، وهو أن الأرض حتماً ليست
بمركز ميكانيكي للأجرام المرصودة، ويستحيل الجمع بين كونها مركز هندسي للكون وأنها
ليست مركز ميكانيكي لأجرامه، وإن زعم ذلك زاعم، فعليه إذاً أن يهدم الميكانيكا
المعلوم صدق مقولاتها بما دعمته الخبرة التجريبية، ويأتي بميكانيكا سماوية جديدة
أكفأ من الراهنة يفسر بها الظواهر التي أمرنا الله تعالى أن ننظر في كيفية حدوثها،
فإن نكص على عقبيه، فلا تقوم له حجة.
انتكاسة علمية!
هكذا
إذاً قامت دعوة خاطئة بمركزية الأرض من الكون لتلبس عباءة الإعجازالعلمي للقرآن،
والقرآن منها بريء كل البراءة. فالخطأ اللغوي بيِّن بيَاناً جلياً كما رأينا، ولا
يمكن تسويته مع منطق اللغة ومأثورها الذي أقره أهلها وأهل الصنعة فيهم بأي حال.
وأي تحايل في سبيل ذلك فمآله إلى الفشل الذريع. ولو كان المنطق اللغوي المزعوم
وجيهاً لدافعنا عنه إلى آخر مدى، ولارتمينا في أحضانه في مواجهة ما يخالفه من
ادعاءات علمية شائعة الصدق عند أهلها والمجتمع العلمي العالمي ولو كثر أهله
وشيعته. ولو كان هذا الزعم صادقاً تماماً، فلا بد حتماً أن يكون الفكر العلمي على
خطأٍ فيما اختلف فيه مع قول الله الحق، غير أننا وجدنا من الجهة الأخرى أن
الاعتقاد بمركزية الأرض، على ما فيه من
خطأ، سيهدم إنجازاً علمياً عمره من عمر التاريخ المدون. وقد تطاول بنيانه رويداً
رويداً حتى استقام على عوده وأثمر وأينع وارتوى الناس منه وأكلوا وتصدقوا وحمد
العقلاء منهم الله على ما حباهم به من فهم لظواهر الكون. ثم يجيء من يجيء لينقض
هذا البنيان بمحض توهمات، وعلو هامات، لمجرد أن قرن كلامه العاري عن الصحة
والبرهان بوحي من الله تعالى صادق العلامات. أما المضحك المبكي في ذلك فهو أن
يُستشهد لأهل العلم بالكونيات على ما ينقُضُ علمهم به، مثلما أقول لمن أحاجيه:
دلالة صدقي أنك كاذب، فهلا اقتنعت! هذا في وقت لم أستطع فيه إثبات صدقي ولا كذب
خصمي، بل يستطيع خصمي الواعي إثبات صدقه وكذبي في آن واحد!!!
خطأ الاستنصار بالنظرية النسبية الخاصة في جواز المحاجاة عن مركزية الأرض[60]!
في
كل عمل بشري تجد دائماً أن هناك مخالف لسبب أو لآخر. فقد أصر إرنست ماك Ernst Mach (1838- 1916) رغم علو قدره في المجتمع العلمي
في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين- على رفضه القاطع للنظرية الذرية
للمادة ضد مؤيديها رغم ظهور علامات صدقها وخاصة في الفترة 1908-1911 مما عرضه
لانتقادات ماكس بلانك الشديدة! وأصر أينشتاين (1879-1955) على رفضه للتفسير الاحتمالي
لميكانيكا الكم رغم أن التجارب أيدت ظاهر هذا التفسير بشكل جلي، ولم يستطع الدفاع
عن تصوره بتبرير ظهور الاحتمالية فوق أرضية من الحتمية المتأصلة[61].
وفي
إطار المعارضة العلمية – أو الفهم الشخصي الغير ملزم للمجتمع العلمي فيما سنعرضه
من حجج – يجيء تصور لعالمين بارزين - قائم على فهمهما الخاص للنظرية النسبية
الخاصة - يُجيز التكافؤ بين دوران الشمس حول الأرض ودوران الأرض حول الشمس! وهذين
العالمين هما الفيلسوف الإنجليزي الشهير برتراند راسل Bertrand Russell
(1872-1970)، والفلكي وعالم الكونيات فِريد هويل Fred Hoyle (1915-2001).
كتب
برتراند رسل يقول[62]: "من الطريف أن نضع أينشتاين مقابل
كوبرنيكوس. فقد كان الناس يعتقدون قبل كوبرنيكوس أن الأرض ساكنة وأن السماء تدور حولها
مرة كل يوم. وذهب كوبرنيكوس إلى أن الأرض تدور حقاً مرة كل يوم، وأن الدوران اليومي
للشمس والنجوم دوران ظاهري فحسب. وتبنى جاليليو ونيوتن هذا الرأي، وكان من المعتقد
أن هناك أشياء كثيرة تثبته مثل تفلطح الأرض عند القطبين، وأن الأجسام أثقل هناك منها
عند خط الاستواء. أما في النظرية الحديثة فإن الخلاف بين كوبرنيكوس وأسلافه يصبح مجرد
اختلاف اصطلاحي، فكل حركة نسبية، ولا خلاف هناك بين القضيتين: الأرض تدور مرة كل يوم،
والسماء تدور حول الأرض مرة كل يوم. هاتان القضيتان تعنيان شيئاً واحداً بعينه، تماماً
مثلما أقول إن شيئاً معيناً طوله ستة أقدام أو ياردتان. وعلم الفلك أيسر إذا أخذنا
الشمس على أنها ثابتة بدلاً من الأرض، مثلما أن الحسابات تكون أسهل بالعملة
العشرية (وبالنظام العددي العشري). أمّا أن يقول المرء شيئاً أكثر من ذلك عن كوبرنيكوس
فهذا معناه افتراض الحركة المطلقة، وهذا وهم. كل حركة نسبية، والنظر إلى جسم ما بوصفه
ثابتاً مجرد اتفاق، وكل هذه الاتفاقات مشروعة على حدٍّ سواء، وإن لم تكن جميعاً على
حدٍّ واحدٍ من السهولة.".
وكتب فريد هويل يقول[63]:
"نحن نعلم الآن أن الفرق بين نظرية الشمس المركزية heliocentric
theory ونظرية الأرض
المركزية geocentric theory
ليس إلا مسألة حركة نسبية، وأن هذا الفرق لا يمثل أي قيمة فيزيائية".
تُعد
هذه التصريحات غاية في الخطورة لمن يعي دلالاتها وتبعاتها، بل وتحتوي على أخطاء
فيزيائية حقيقية. فالتماثل الذي أورده برتراند رسل بين أنظمة الإحداثيات المرجعية
من جهة وأنظمة الأطوال أو العملات أو الأعداد من جهة ثانية غير صحيح. ولو لم تنشأ
النظرية النسبية الخاصة لما تجرأ صاحبَيْ التصريحات على القول بما قالاه! فقد
استندا إلى محض القول بأن أي حركة نسبية. فلو أن هناك شيئان تزداد المسافة الفاصلة
بينهما، لجاز لنا القول بأن أياً منهما هو المتحرك والآخر ساكن. قد يكون بالفعل
هذا هو المعنى اللغوي للعبارة القائلة بأن كل حركة نسبية. ولكن النظرية وبناؤها
الفيزيائي لم تُرِدْ على الحقيقة أن تتبذل إلى هذا المستوى السطحي حتى ولو أدت
صياغة أينشتاين للنظرية إلى ذلك. فلو أن هذا المعنى هو المراد، لجاز لنا القول بأن
السيارة المتحركة على الأرض بسرعة 100 كم/ساعة تتكافأ مع سكون السيارة وحركة الأرض
بجملتها تحت السيارة في الاتجاه المعاكس بسرعة 100 كم/ساعة. وكما أن هذا الفهم
ساذج لحدِّ بعيد ومنافي للحقيقة الفيزيائية، فكذلك قول "برتراند رسل"
بأنه يمكن القول (على الحقيقة) بأن السماء بجملتها (من مجرات وسدم) تدور حول الأرض
دورة كاملة كل يوم (نجمي = 23 ساعة 56 دقيقة تقريباً)، يعتبر كلاماً ساذجاً
للغاية. ولا يجوز لمحبي مركزية الأرض أن يتذرعوا بمثل هذه الأفهام المرتبكة
للنظرية النسبية لتأييد ما يحبون. لماذا؟ لأنهم سيُحَمِّلون أنفسهم مغبة الدفاع عن
تبعات تلك الأفهام بجملتها، فيَحمِلون أوزاراً مع أوزارهم لا يستطيعون ردها، وكفى
بأوزارهم حِملاً.
إدعاء أن الكعبة المشرفة في (مركز مركز) العالم، وتهافت هذا الإدعاء:
إذا
كانت الكعبة في مركز الأرض اليابسة – وهو ما فندناه في مقالنا الأول في هذه
السلسلة[64] - وكانت الأرض في مركز الكون – وهو ما فندناه أعلى في هذا
المقال – فما معنى أن تكون الكعبة في مركز مركز العالم، كما جاء في قول القائل[65]:
"إذا كانت الأرض في مركز الكون, والكعبة المشرفة في مركز الأرض الأولي اليابسة،
ومن دونها ست أرضين، ومن حولها سبع سماوات، فإن الكعبة المشرفة تصبح في مركز/ مركز
الكون"، أي في
بؤرة الكون الحقيقية؟
إن
هذا المركب المنطقي يُعاني من انكسار/شرخ هيكلي. فالمركزية الأولى – الكعبة من
الأرض - مركزية ثنائية الأبعاد /سطحية وإن كانت مطوية، أما المركزية الثانية –
الأرض من الكون – فمركزية ثلاثة الأبعاد/مجسمة. والجمع بين القضيتين لا يؤدي إلى
قضية معقولة على الصيغة التي أتى بها صاحبها. فإما أن تكون القضيتان ثنائيتا
الأبعاد، أو تكونا ثلاثيتا الأبعاد! فإذا كان الكون ثلاثي الأبعاد ومركزه في
الأرض، فلا يستقيم معه إلا أن يكون مركز الأرض الكروية الشكل هو قلبها القابع في
باطنها. أي يكون هو مركز مركز الكون، ولا يستقيم لذلك أي نقطة على السطح سواء كانت
الكعبة أو غيرها من بقاع اليابسة.
ويبدو
أن التعبير بالمركزية المركبة لم يكن هو المقصود لذاته عندما صيغت هذه العبارات
المتشاكسة في بعدين من جهة وثلاثة أبعاد من جهة ثانية. فالأقرب إلى الاتساق أن
يتعلق الأمر بالتماثل المصاحب للتمركز لا بالتمركز المضاعَف. بمعنى أن الأرض إذا
كانت في مركز الكون، وكانت الكعبة متماثلة التباعد في محيطها اليابسي، وكانت الكعبة
تحت البيت المعمور الواقع أيضاً تحت العرش – وهو ما فندناه في مقالة سابقة أيضاً[66]
- فعندئذ فقط تكون الكعبة في مركز تماثل كوني تام من اليابسة ومن الكون،
أنظر شكل (17).
ولكن،
لا الكعبة المشرفة في مركز اليابسة، ولا أنها – مع شرف قدرها - واقعة تحت العرش
ضرورةً، ولا الأرض في مركز الكون ضرورةً، والقصة بأكملها تصور أسطوري لا سند له من
كتاب ولا سنة راجحة ولا علم استدلالي يشفي القلب ويبرده، بل إن الأدلة الواقعية
تدحض أي دعوى في هذا الاتجاه.
-------------------------------
الهوامش
----------
(*) (نُشرت هذه المقالة بتاريخ 2/5/2009 على موقع "الملتقى الفكري للإبداع" ، ثم زال الموقع ومحتوياته مع أحداث الثورة السورية، لذا نعيد نشر هذه المقالة هنا لكثرة تداولها على الإنترنت وغياب الرابطة الأصلية التي كثيراً ما يحال إليه)
(*) (نُشرت هذه المقالة بتاريخ 2/5/2009 على موقع "الملتقى الفكري للإبداع" ، ثم زال الموقع ومحتوياته مع أحداث الثورة السورية، لذا نعيد نشر هذه المقالة هنا لكثرة تداولها على الإنترنت وغياب الرابطة الأصلية التي كثيراً ما يحال إليه)
[1] كتب ابن الهيثم في
القرن الثاني عشر الميلادي نقد قاسي لنموذج بطليموس في مركزية الأرض من المجموعة الشمسية
في كتابه الذي خصصه لذلك وعنونه: "الشكوك على بطليموس"، كما أن البيروني
في عام 1030م درس نظريات مركزية الشمس المنسوبة إلى أرياباتا Aryabhata، وبراهماجوبتا Brahmagupta، و فاراها ميهيرا Varahamihira في كتابه: تاريخ الهند.(Mohammad Gill, 2005). وذكر كوبرنيقوس صراحة إسم البتاني في كتابه الغني عن التعريف De revolutionibus orbium
caelestium والذي أصبح الأساس في علمية نظرية مركزية الشمس في أحد عشر موضعاً، نورد
هنا ثلاث مواضع منها
(Nicolaus Copernicus, On the Revolutions of the Celestial Spheres, translated
by Charles Glenn Wallis, 1939, pp. 33, 135, 136)، كما ذكر كوبرنيكوس أيضاً إسم الزُرقالي – وهو
المعروف في الغرب بإسم
Arzachel حسب ما جاء في (زيجرد هونكه، شمس العرب،
ص 152) ] في أربع مواضع منها المواضع الآتية (pp. 136, 143, 190) في كتابه وكان الزرقالي من أشهر علماء الفلك في الأندلس.
[2] ونقصد بذلك
"مارتبانوس كابيلا"
Martianus Capella وقد امتدحه كوبرنيكوس في الجزء الأول من
كتابه "دوران الأجرام السماوية". وكان لمؤلفات كابيلا المعروفة بـ الثلاثية trivium (القواعد والمنطقة والبلاغة) والرباعية quadrivium
(الهندسة والحساب والموسيقى والفلك) الأثر البالغ
في العصور الأوربية الوسطى ككتب تعليمية في المدارس الأوربية. وكان كابيلا يعيش في Madaura، وهي في ولاية ما يعرف اليوم بـ "ولاية سوق
أهراس" شرق الجزائر على حدود تونس. وكان له موسوعة عرفت بـ Satyricon تتكون من تسعة كتب. وفي الكتاب الثامن من هذه الموسوعة نموذج لتركيب الكواكب
تدور فيه الشمس والقمر والكواكب البعيدة حول الأرض، إلا أن كوكبي عطارد والزهرة يدوران
حول الشمس، وهذا الذي امتدحه كوبرنيكوس، وباقتباس هذه الفكرة الأخيرة منه (كما هو راجح)،
وبالتعويل على الرياضيات الفلكية التي طورها المسلمون كالطوسي والعُرضي، تمكن كوبرنيكوس
من التخلص من أفلاك التدوير وانزياح الأرض عن مركز الدوران، وتلك كانت من العقبات الكؤود
في نوذج بطليموس.
[3] Official Geocentricity
Website http://www.geocentricity.com/؛
(Bouw, Gerardus, 1992)
[4] (Edward Grant, 1984)
[5] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، بتاريخ 18/2/2002.
[6] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، 22/12/2008.
[7] حيث نقرأ لمن قال،
وصدق فيما قال:[يجب التنبيه إلى خطورة الربط اللغوي بين اللفظ القرآني والمصطلح العلمي
دون إحاطة تامة بدلالات اللفظ القرآني من جهة، وسيرته وما يدل عليه من جهة أخرى. فاستخدام
مصطلح "الذرة" بمعناه الفيزيائي والكيميائي في لغة العلم العربية قد شاع
وأصبح مقبولاً كمقابل لكلمة "أتوم" Atom الإغريقية التي احتفظت بأصلها الإغريقي
في جل اللغات الأجنبية، لكنه لا يُطابق المعنى اللغوي والبياني الذي يدل عليه السياق
في القرآن الكريم، إذ المقصود هو التصغير والتهوين والتقليل، على نحو ما جاءت القطمير
والنقير وحبة الخردل في مواضع أخرى من القرآن الكريم. بينما المقصود به علمياً هو الجزء
الصغير من المادة الذي لا يقبل الانقسام، وقد أطلق عليه أسلافُنا اسم "الجوهر
الفرد أو "الجزء الذي لا يتجزأ"، وهي ترجمة دقيقة وأمينة فطنوا إليها بعيداً
عن ألفاظ القرآن، وكان ينبغي الإبقاء عليها في لغة العلم المعاصرة .. ولو حدث هذا وأبقينا
على هذه الترجمة التراثية، أو أبقينا على اللفظ "أتوم" دخيلاً مثل ما حدث
في باقي اللغات، لكنا في غنى عن تحميل ألفاظ القرآن الكريم أكثر من معانيها. ولما وصلنا
إلى حد الإسراف في تأويلها.](أحمد فؤاد باشا، 2002، ص38-39)
[8] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، 18/2/2002.
[9] (إبراهيم أنيس، ص147)
[10] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، 18/2/2002.
[11] ابن تيمية، مقدمة
في أصول التفسير، ص1.
[12] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، بتاريخ 18/7/2005.
[13] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، بتاريخ 6/6/2005.
[14] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، بتاريخ 22/10/2007.
[15] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، بتاريخ 18/2/2002.
[16] نقصد بذلك تجربة
مايكلسون ومورليMichelson–Morley الشهيرة والتي أجريت
عام 1887. ورغم تكرار التجربة عشرات المرات (أشهر هذه التجارب كان في الأعوام 1958،
1974، 1979، 1990)، وبتقنيات متصاعدة في الدقة ورهافة القياسات، إلا أن نتائجها كانت
جميعاً سلبية في غرض التجربة وهو قياس سرعة مطلقة للأرض في الكون – أي بالنسبة إلى
إطار إحداثي مطلق السكون.
[17] (Reid, 1993)
[18] (Kogut et al, 1993)
[19] زغلول النجار، مقالات
الأهرام، بتاريخ 8/9/2002.
[20] Stanford Encyclopedia of Philosophy,
http://stanford.library.usyd.edu.au
[21] قلنا "تركيب
العالم" ولم نقل تركيب الكون، لأن الفلكيون العرب لم يكونوا يعنون بالكون إلا
الحالة النظامية في العالم دون كل العالم، لذا فالعالم عندهم هو "الكون والفساد"،
وهو إسم أحد كتب ابن سينا، ومن قبله أرسطو.
[22] (James E. McClellan III, and
Harold Dorn, 74)
[23] نلاحظ أن اسم الكوكب
والنجم كانا يستخدمان سوياً على نفس الجرم وإن كانا من وجهين، فالنجم من حيث انفراده
وتميزه في ظلمة السماء كنقاط لامعة، أما الكوكب فمن حيث تزينه للسماء وربما امتداد
قرصه وأنه ليس نقطي الشكل، وربما إذا كان مركب من عدة نجوم، وإن كان الشائع بهذا الوصف
الأخير لفظ كوكبة. ولم يتم تمييز النجم عن الكوكب إلا لاحقاً ليفترقا على أساس توهج
الجرم وانبعاث الطاقة منه فأصبح هذا هو النجم، أو برودته وخموده، وتبعيته لنجم بعينه،
ليصبح الكوكب. وقد تدخّل أخيراً حجم الجرم ليتميز به إن كان كوكباً أو من رتبة دون
ذلك، كما رأينا مع كوكب بلوتو الذي لم يعد يُصنف ككوكب. (نادراً ما نجد من انتبه للأصل
والاشتراك بين لفظي الكوكب والنجم، فنقرأ:"في الحقيقة أن لفظ الكوكب يشمل كل الأجرام،
حتى الشمس يُقال له كوكب "(محمد جمال الدين الفندي، ص302)
[24] سُمِّيت متحيرة لأنها
كانت تتقدم في مسارها حول الأرض ثم تتراجع، ثم تعود فتتقدم.
[25] Stanford Encyclopedia of
Philosophy, http://stanford.library.usyd.edu.au
[26] (Owen Gingerish & James
Maclachlan, 29)
[27] (Norriss S. Hetherington,
60)
[28] غير أنه لم يسلم
من الاتهام إما بتلفيق عدد من الأرصاد، أو بنقلها عن غيره دون التحقق منها أو كلاهما.
أنظر في ذلك:
(Norriss S. Hetherington,
69-73)
[29] (James E. McClellan III, and
Harold Dorn, 87)
[30] (جورج صليبا، 97)
[31] (ابن الهيثم، ص63]64) نقلاً عن (جورج صليبا،
123)، أنظر في ذلك أيضاً:
(Rosen, 174) نقلاً عن:
Stanford Encyclopedia of
Philosophy, http://stanford.library.usyd.edu.au, Entry: Nicolaus Copernicus.
[32] (Rosen 1984, 174)
[33] (جورج صليبا، 123)
[34] (زيجرد هونكه، شمس العرب، ، ص 152)
[35] (جورج صليبا، 125]126)
[36] (جورج صليبا، 127)
[37] (جورج صليبا، 127 وما بعدها)
[38] تم سك هذا الإسم
حديثاً في
(Edward Kennedy, 370)
[39] (جورج صليبا، 135)
[40] (جورج صليبا، 136)
[41] (A. Koestler, The
Sleepwalkers, 1959, p.191)
[42] Ibid, p. 192.
[43] Ibid.
[44] Ibid, p.193.
[45] Ibid, p.192, and see note
(12) for details.
[46] Ibid, p.194.
[47] [هذا وقد تم العثور على النموذج القمري العائد
للطوسي، وعلى رسم يمثل "مزدوجة الطوسي" (في مخطوطة محفوظة في الفاتيكان منذ
العام 1475م على أبعد تقدير) لترجمة يونانية وضعها حوالي العام 1300م شيونيادس Chioniades عن أصل عربي، كما أن هناك دليلاً آخر على استخدام "مزدوجة الطوسي"
يتمثل في مؤلف جيوفاني باتيستا أميكو Giovanni Battista Amico وعنوانه
De motibus corporum coelestium iuxta principia peripatetica sine exc entricis
et epicyclis. وقد ظهر هذا المؤلف في البندقية في العام
1536م.] (هنري هوغونار، روش، 265)
[48] (George
Saliba, 1999)
[49] (Mohammad Gill, 2005)
[50] Full references to these
works can now be found in the bibliography appended to George Saliba’s A
History of Arabic Astronomy: Planetary Theories During the Golden Age of Islam,
NYU Press, 1994, pp. 307]317. Qoted in(George Saliba, 1999)
[51] يتفق نموذج تيكو
مع نموذج كابيلا الذي وصفه كابيلا في القرن الخامس الميلادي لحدٍّ كبير، (أنظر حاشية
2)، لذا نجد في بعض المصادر الإشارة إليهما على أنهما من رتبة واحدة Tychonic and Capellan models.
[52] كان لتأييد الملك
فريدريك الثاني
Frederik II لتيكو براهي وما منحه إياه من دعم مالي
سخي (أكثر من 1% من دخل الدنمارك) وجزيرة هيفن Hven بحيث يكون له مطلق
الحق فيها في مشروع الرصد الذي شرع فيه. وقد
أصدر تيكو براهيه كتاب "الآلات الميكانكية الفلكية" 'Astronomiæ instauratæ mechanica'، والذي احتوى على
رسوم توضيحية وتوصيف لأهم الآلات التي طورها، بالإضافة إلى استعراض موجز للنتائج النظرية
التي توصل إليها، وألحق ذلك بجداول لأكثر من 1000 نجم، وقام بإرسال الكتاب إلى قطاع
عريض من الفلكيين والأمراء. (المصدر: المكتبة الأوربية:
http://libraries.theeuropeanlibrary.org/Denmark/treasures_en.xml
[53] Thomas S. Kuhn, p.210.
[54] Barker and Goldstein, pp
99–103, 112–113
[55] Caspar, Kepler, pp 60–65, pp
265–266.
[56] Ibid, pp 240–264.
[57] Kusukawa, Sachiko.
"Starry Messenger,The Telescope”, Department of History and Philosophy of
Science of the University of Cambridge.
http://www.hps.cam.ac.uk/starry/galtele.html
[58] (Singer, Charles, page 217)
[59] راجع الإشارات التي
كتبها أوسياندر في مقدمة كتاب كوبرنيكوس وقد أشرنا إليها سابقاً.
[60] لم نقرأ لأحدٍ من
مؤيدي مركزية الأرض من الكون، الاستنصار بالنسبية الخاصة بعد، غير أننا نساعدهم على
الدفاع عن دعواهم بأفضل ما يجدون حتى ولو لم يعلموا به، وحتى هذا الذي نساعدهم به لا
يقوى على أن يكون طوق نجاة لهم.
[61] علينا أن نُميز بين
معارضة أينشتاين للتفسير الاحتمالي الاعتقادي، وبين قدرته عن الدفاع عن هذا المعتقد.
فالاعتقاد لمن شاء فيما شاء، أمر شخصي ذاتي دوجمائي، ولا يُحسب هذا من العلم إلا أن
يكون من قبيل علوم الأنبياء الذين هم على صلة بالوحي الإلهي. أما الاعتقادات العلمية
فلا قيمة لها إلا بالاستدلال، وحيثما تجد دعوى لا دليل عليها، فلا تحسبنها من العلم
في شيء، حتى ولو صدقت في ذاتها.
[62] (Bertrand Russell, 1997,
p.14)
أخذت الترجمة العربية (بتصرف) من نسخة مترجمة للكتاب:
“ألف باء النسبية”، برتراند راسل، ترجمة فؤاد كامل، مركز كتب الشرق الأوسط، القاهرة،
1977.
[63] (Fred Hoyle, p. 416)
[64] عزالدين كزابر، " حول مركزية مكة لليابسة وإشكالات الاستدلال عليها"، بتاريخ 15/5/2008.
[65] زغلول النجار، من
أسرار القرآن، الأهرام المصرية، 7/7/2003.
[66] عزالدين كزابر،
" حول البيت المعمور، وعرش الرحمن، وتجاوزات الإعجازيين في شأنهما "، بتاريخ
30/10/2008.
-----------------------------------------
المراجع
-------------
1]] إبراهيم أنيس، "دلالة الألفاظ"،
الطبعة السادسة، دار المعارف، القاهرة، 1986.
2]] أبو علي محمد بن الحسن بن الهيثم، الشكوك
على بطليموس، تحقيق عبد الحميد صبره ونبيل الشهابي؛ تصدير إبراهيم مدكور، القاهرة،
مطبعة دار الكتب، 1971.
3]] أحمد فؤاد باشا، رحيق العلم والإيمان، دار
الفكر العربي، القاهرة، 2002.
4]] برتراند راسل، ألف باء النسبية، ترجمة فؤاد
كامل، مركز كتب الشرق الأوسط، القاهرة، 1977.
5]] جورج صليبا، دراسة "نظريات حركات الكواكب
في علم الفللك العربي"، ص 95]171، ضمن كتاب "موسوعة تاريخ العلوم العربية"،
الجزء الأول: علم الفلك النظري والتطبيقي، إشراف رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت، 1997.
6]] زيجرد هونكه، "شمس العرب تسطع على
الغرب"، الطبعة الثامن، نقله عن الألمانية: فاروق بيضون، كمال دسوقي، راجعه مارون
الخوري، دار الجيل، دار الآفاق الجديدة، بيروت، 1993.
7]] محمد جمال الدين الفندي، الله والكون، الهيئة
المصرية العامة للكتاب، 1987.
8]] هنري هوغونار، روش، "تأثير علم الفلك
العربي في الغرب في القرون الوسطى"، ضمن كتاب "موسوعة تاريخ العلوم العربية"،
الجزء الأول: علم الفلك النظري والتطبيقي، إشراف رشدي راشد، مركز دراسات الوحدة العربية،
بيروت، 1997.
[9] Barker and Goldstein,
"Theological Foundations of Kepler's Astronomy," Osiris, Volume 16:
Science in Theistic Contexts. University of Chicago Press, 2001.
[10] Max Caspar: Kepler; transl.
and ed. by C. Doris Hellman. New York: Dover, 1993.
[11] Nicolaus Copernicus,
"On the Revolutions of the Celestial Spheres", translated by Charles
Glenn Wallis, Published 1939 by The St. John's bookstore, Original from
University of Michigan,)
[12] Bouw, Gerardus:
"Geocentricity", Association for Biblical Astronomy, Cleveland, Ohio,
1992.
[13] Edward Grant, "In
Defence of Earth's Centrality and Immobility: Scholastic Reaction to
Copernicanism in the Sevebteenth's Century", Tranactions of the American
Philosophical Society, volume 74, part 4, 1984. Full view available on:
http://books.google.com/
[14] Owen Gingerish & James
Maclachlan, Nicolaus Copernicus Making the Earth a Planet Oxford University
Press, 2005.
[15] Mohammad Gill, Was Muslim
Astronomy the Harbinger of Copernicanism?, 2005,
http://www.chowk.com/articles/9489
[16] Norriss S. Hetherington,
Planetary motions: a historical perspective, Greenwood Press, Westport, USA,
2006.
[17] Edward, Kennedy. S.
"Late Medieval Planetary Theory." Isis 57 (1966):365]378.
[18] A. Koestler, “The
Sleepwalkers: A History of Man’s Changing Vision of the Universe”, The Mcmillan
Co., NY,1959.
[19] A. kogut et al, "Dipole
Anisotropy in the COBE Differential Microwave Radiometers First Year Sky
Maps", Astrophysical Journal v.419, p.1, Pub. Date 12/1993, astro]ph/9312056.
[20] Thomas S. Kuhn, The
Copernican Revolution: Planetary Astronomy in the Development of Western
Thought, Harvard University Press, 1985.
[21] James E. McClellan III, and
Harold Dorn, Science and technology in world history : an introduction, The
Johns Hopkins University Press, 2006.
[22] Jean Meeus, Mathematical
Astronomy Morsels, Willmann]Bell, Inc. , 1997.
[23] Karl Popper, "The Logic
of Scientific Discovery", Basic Books, New York, NY, 1959.
[24] M. J., Reid, (1993),
"The distance to the center of the Galaxy". Annual Review of
Astronomy and Astrophysics, Vol. 31, p. 345]372.
[25] E. Rosen, 1984, Copernicus
and the Scientific Revolution, Malabar, FL: Krieger Publishing Co. (Quoted in:
Stanford Encyclopedia of Philosophy (2004))
[26] Bertrand Russell, ABC of
Relativity ,Peter Clark, Published by Routledge, 1997.
[27] Fred Hoyle, F., Astronomy
and Cosmology ] A Modern Course, San Francisco: W.H. Freeman & Co., 1975.
[28] George Saliba, 1999, Whose
Science is Arabic Science in Renaissance Europe?
http://www.columbia.edu/~gas1/project/visions/case1/sci.2.html.
[29] Charles Singer, A Short
History of Science to the Nineteenth Century, Oxford, Clarendon Press, 1941.
[30] Encyclopedia of the Solar
System, 2e, Elsevier Inc, 2007.
[31] Stanford Encyclopedia of
Philosophy (2004). Entry "Nicolaus Copernicus", http://setis.library.usyd.edu.au/stanford/entries/copernicus/index.html
[32] http://math.ucr.edu/home/baez/README.html
أضيفت بتاريخ (22-5-2013).
[32] http://math.ucr.edu/home/baez/README.html
أضيفت بتاريخ (22-5-2013).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق