دحض إعجاز “مرج البحرين يلتقيان”
فأول حجة يلقونها عليك هي التالية: “كيف يمكن لراعي إبل أن يعرف هذه الحقيقة العلمية؟!”
لكن هل هذه فعلاً حقيقة علمية؟ هل البحران لا يبغيان؟
سأفند هذه الحجة بإختصار وببساطة، وسأبدأ عبر دحض القول بأسبقية الطرح، ثم نعالجها بناءً على علمنا الحالي.
لكن أولاً فلنرى التفسير الرسمي:
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا {الفرقان:53}
قال ابن كثير في التفسير: وقوله تعالى وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج أي خلق الماءين: الحلو والملح، فالحلو كالأنهار والعيون والآبار، وهذا هو البحر الحلو العذب الفرات الزلال، قاله ابن جريج، واختاره ابن جرير…وقوله تعالى: وهذا ملح أجاج أي مالح مر زعاق لا يستساغ، وذلك كالبحار المعروفة في المشارق والمغارب: البحر المحيط وما يتصل به من الزقاق، وبحر القلزم، وبحر اليمن، وبحر البصرة، وبحر فارس، وبحر الصين والهند، وبحر الروم، وبحر الخزر، وما شاكلها وما شابهها من البحار الساكنة التي لا تجري.. انتهى.
أما تفسير الإعجازيين فهو التالي:قال الشيخ الأمين الشنقيطي في الأضواء: …… يوجد في بعض المواضع اختلاط الماء الملح والماء العذب في مجرى واحد، ولا يختلط أحدهما بالآخر، بل يكون بينهما حاجز من قدرة الله تعالى، وهذا محقق الوجود في بعض البلاد، ومن المواضع التي هو واقع فيها المحل الذي يختلط فيه نهر السنغال بالمحيط الأطلسي بجنب مدينة سان لويس، وقد زرت مدينة سان لويس عام ست وستين وثلاثمائة وألف هجرية، واغتسلت مرة في نهر السنغال، ومرة في المحيط ولم آت محل اختلاطهما، ولكن أخبرني بعض المرافقين الثقات أنه جاء إلى محل اختلاطهما، وأنه جالس يغرف بإحدى يديه عذباً وفراتاً، وبالأخرى ملحاً أجاجاً، والجميع في مجرى واحد، لا يختلط أحدهما بالآخر، فسبحانه جل وعلا ما أعظمه وما أكمل قدرته. انتهى.
﴿وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً محجوراً﴾[سورة الفرقان، الآية:53] وصف لنظام المصب، وتوضيح لامتزاج الماء العذب وماء البحر، وأن منطقة الامتزاج محمية ببعض القيود على ما يدخل إليها أو يخرج منها. وقد برهن العلم الحديث على خواص المصب هذه. كما برهنت علوم الأحياء الحديثة على أن هذه المنطقة هي منطقة محصورة تعيش فيها بعض الحيوانات الخاصة بهذه البيئة.بعد أن أوضحنا وجهات النظر المختلفة والمتضاربة، فلنبدأ بالتفنيد:
وبالإضافة إلى بيان وجود هذه الحواجز بين الماء العذب وماء البحر المالح فقد ذكر القرآن الكريم أيضاً وجود حواجز مماثلة في البحار نفسها قال تعالى: ﴿مرج البحرين يلتقيان* بينهما برزخ لا يبغيان﴾ [سورة الرحمن، الآية: 19-20] وتشبه هذه الحواجز الحدود المائية بين مياه المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، وبين مياه البحر الأحمر وخليج عدن وفي مواقع أخرى من بحار العالم.
1. محمد لم يكن أول من نادى بالقول أعلاه، بل أرسطو:
فهو واضح هنا، يقول أن المياه المالحة أثقل من المياه العذبة، لذا يبدو أن هنالك حاجز بينهما.The drinkable, sweet water, then, is light and is all of it drawn up: the salt water is heavy and remains behind, but not in its natural place. For this is a question which has been sufficiently discussed (I mean about the natural place that water, like the other elements, must in reason have), and the answer is this. The place which we see the sea filling is not its natural place but that of water. It seems to belong to the sea because the weight of the salt water makes it remain there, while the sweet, drinkable water which is light is carried up.(1)
بناءً على هذه النقطة —وهي علمياً غير صحيحة، لكن عبر الملاحظة النظرية تبدو كذلك— فيجب عليك لا أن تكون مسلماً، بل أرسطياً!
2. نأتي لهذا “البرزخ” المزعوم؛ نقطة التقاء المياه العذبة بالمياه المالحة تأخذ عدة أشكال: اسفين الملح، اختلاط جزئي، اختلاط كامل وتناغم عامودي.
2.1 اسفين الملح: يحدث حينما يكون ضخ مياه النهر أقوى بكثير من حركة مياه البحر، وبالتالي ترتفع المياه العذبة الأخف ثقلاً في طبقة فوق المياه المالحة الأثقل وما تلبث أن تنحف هذه الطبقة كلما ابتعدت عن المصب. بينما المياه المالحة تقترب من المصب من أسفل طبقة المياه العذبة وتشكل إسفيناً من الملح. ومع حركة البحر والأمواج والزخم، ما تلبث هذه المياه فتختلط. أفضل مثال على هذه الحالة هو نهر المسيسيبي:
Currents observed by lowering a current meter from a vessel are superimposed on the observed salinity field. The separation between freshwater outflow in the upper layer and salt water inflow in the wedge is clearly visible. Note in particular the change in current direction in the mixing region along the interface; it indicates that water from both layers is drawn into the mixing region and transported towards the ocean in the mixing zone. The slight velocity increase in the upper layer above the salt wedge is more the result of a decrease in layer depth than an indication of an increase in layer transport
as a salt wedge estuary is revealed when the physics of the circulation is considered: Freshwater is drawn into the mixing region from the river side, where all mean flow is towards the sea; salt water enters the mixing region from the ocean. All mixing occurs in the region between the two sides, and the brackish mixing product is moved upward and outward towards the ocean, where it produces permanently agitated, choppy and bubbly seas that can on occasions become dangerous for small craft..(2)
كما هو واضح إنهما يلتقيان، ولا يوجد حاجز بينهما، بل كل ما هنالك هو فارق الثقل للمياه (density) وفارق الحركة (Velocity).
2.2 المخلتط جزئياً: هنا قوة حركة الأمواج أقوى من ضخ النهر، لذا التيار المائي يقوم بخلط المائين أسرع من الحالة الأولى (إسفين الملح) ولهذا تختلط المياه أفقياً على طول الشاطئ، فينتج لديك مياه مختلطة جزئياً. كمثال هناك نهر ميرسي (Mersey River) في إنكلترا.
2.2 المخلتط جزئياً: هنا قوة حركة الأمواج أقوى من ضخ النهر، لذا التيار المائي يقوم بخلط المائين أسرع من الحالة الأولى (إسفين الملح) ولهذا تختلط المياه أفقياً على طول الشاطئ، فينتج لديك مياه مختلطة جزئياً. كمثال هناك نهر ميرسي (Mersey River) في إنكلترا.
لاحظ الإختلاط ونسبة الملوحة المتقاربة.
2.3 اختلاط عامودي: بسبب قوة الأمواج والتيارات البحرية، تختلط المياه سريعاً، وتشكل عاموداً من المياه الممزوجة.
2.3 اختلاط عامودي: بسبب قوة الأمواج والتيارات البحرية، تختلط المياه سريعاً، وتشكل عاموداً من المياه الممزوجة.
An example on a much smaller scale is the Myall River in New South Wales, Australia. The Myall River is a small river with a very small catchment area. Before discharging its very small run-off into the sea the river forms a system of lakes. It continues from the lakes to the ocean as a shallow and extremely narrow channel of about 20 km length. The average depth of this part of the river is between 2 and 4 m, and its width is less than 100 m. The river mouth is located in an oceanic bay, which reduces the impact of the moderate tides on the river; but tidal mixing in the shallow, narrow channel is nevertheless quite vigorous as the water is moved in and out of the lake in piston-like fashion, and the small river run-off is insignificant compared to the tidal volume.
بإختصار، كل كلام الإعجازيين هراء، وباطل علمياً.
3. من ناحية أخرى دعنا نرى التدليس اللغوي.
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
راقب التخبط في تفسير الفعل (مَرَجَ):
{ وهو الذي مرج البحرين } أرسلهما متجاورين { هذا عذبٌ فرات } شديد العذوبة { وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ } شديد الملوحةِ { وجعل بينهما برزخا } حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر { وحجرا محجورا } سترا ممنوعا به اختلاطهما .
بناءً على تفسير ابن كثير فهم لا يلتقيان، وكما اثبتنا هذا هراء.
أما إذا عدنا إلى المعاجم فانظر إلى المصيبة:
مرج (الصّحّاح في اللغة)
وقوله تعالى: “مَرَجَ البَحْرَينِ يَلتَقِيانِ”. أي خَلاّهما لا يلتبس أحدهما بالآخر. قال الأخفش: ويقول قوم: أمْرَج البَحْرين مثل مَرَجَ، فَعَلَ وأفْعَلَ بمعنًى.
مرج (مقاييس اللغة)
الميم والراء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على مجيءٍ وذَهابٍ واضطراب.
ومَرِجَت أماناتُ القوم وعُهودُهم: اضطربت واختلطت.
[و] قولُه تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن 19]،كأنَّه جلّ ثناؤه أرسَلَهما فَمرِجا.
وقال هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان 53].
مرج (لسان العرب)
ومَرَجَ الله البحرَيْنِ العذْبَ والمِلْحَ: خَلَطَهما حتى التقيا. الفراء في قوله عز وجل: مرج البحرين يلتقيان؛ يقول: أَرْسَلَهُما ثم يلتقيانِ بعد، وقيل: خَلاَّهما ثم جعلهما لا يلتبس ذا بذا، قال: وهو كلام لا يقوله إِلاَّ أَهل تِهامَةَ
مَرَجَ خَلَطَ؛ يعني البحرَ المِلحَ والبحرَ العَذْبَ، ومعنى لا يبغيان أَي لا يبغي المِلحُ على العذب فيختلط. ابن الأَعرابي: المَرْجُ الإِجْرَاءُ، ومنه قوله مَرَجَ البَحْرَينِ أَي أَجراهُما؛ قال الأَخفش: ويقول قومٌ: أَمْرَجَ البحرينِ مثل مَرَجَ البحرين، فَعَلَ وأَفْعَلَ، بمعنى.
في المحصلة، إن كان التدليس والترقيع والكذب والتزوير، أيٌّ منهما رجلاً، لكان شيخاً أو داعية!
3. من ناحية أخرى دعنا نرى التدليس اللغوي.
وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَٰذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَٰذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَّحْجُورًا
مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ
راقب التخبط في تفسير الفعل (مَرَجَ):
{ وهو الذي مرج البحرين } أرسلهما متجاورين { هذا عذبٌ فرات } شديد العذوبة { وهذا مِلْحٌ أُجَاجٌ } شديد الملوحةِ { وجعل بينهما برزخا } حاجزا لا يختلط أحدهما بالآخر { وحجرا محجورا } سترا ممنوعا به اختلاطهما .
بناءً على تفسير ابن كثير فهم لا يلتقيان، وكما اثبتنا هذا هراء.
أما إذا عدنا إلى المعاجم فانظر إلى المصيبة:
مرج (الصّحّاح في اللغة)
وقوله تعالى: “مَرَجَ البَحْرَينِ يَلتَقِيانِ”. أي خَلاّهما لا يلتبس أحدهما بالآخر. قال الأخفش: ويقول قوم: أمْرَج البَحْرين مثل مَرَجَ، فَعَلَ وأفْعَلَ بمعنًى.
مرج (مقاييس اللغة)
الميم والراء والجيم أصلٌ صحيح يدلُّ على مجيءٍ وذَهابٍ واضطراب.
ومَرِجَت أماناتُ القوم وعُهودُهم: اضطربت واختلطت.
[و] قولُه تعالى: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ [الرحمن 19]،كأنَّه جلّ ثناؤه أرسَلَهما فَمرِجا.
وقال هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان 53].
مرج (لسان العرب)
ومَرَجَ الله البحرَيْنِ العذْبَ والمِلْحَ: خَلَطَهما حتى التقيا. الفراء في قوله عز وجل: مرج البحرين يلتقيان؛ يقول: أَرْسَلَهُما ثم يلتقيانِ بعد، وقيل: خَلاَّهما ثم جعلهما لا يلتبس ذا بذا، قال: وهو كلام لا يقوله إِلاَّ أَهل تِهامَةَ
مَرَجَ خَلَطَ؛ يعني البحرَ المِلحَ والبحرَ العَذْبَ، ومعنى لا يبغيان أَي لا يبغي المِلحُ على العذب فيختلط. ابن الأَعرابي: المَرْجُ الإِجْرَاءُ، ومنه قوله مَرَجَ البَحْرَينِ أَي أَجراهُما؛ قال الأَخفش: ويقول قومٌ: أَمْرَجَ البحرينِ مثل مَرَجَ البحرين، فَعَلَ وأَفْعَلَ، بمعنى.
في المحصلة، إن كان التدليس والترقيع والكذب والتزوير، أيٌّ منهما رجلاً، لكان شيخاً أو داعية!
———
(1) (كتاب المتيورولوجيا، ج 2، القطعة 2)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق