سقوط الدكتاتوريات وسطوع نجم الله
من مراحل تطور الانسان هي التدين والايمان بأفكار غيبية
قبل التعلم وفهم كيف يسير الكون من حوله!! للاسف الشديد هذه هي نفس مراحل
تطور الشعوب لكن نفس الانتكاسات التي يتعرض لها المراهق عاطفياً ومالياً
ومعنوياً عندما تتعرض لها الشعوب المراهقة فهذا يعني عشرات الالاف من
الضحايا وتدمير للبنى التحتية إن وجدت وخراب طويل الامد للإنسان على مدى
أجيال.
أن ظهور الحركات الدينية لحظة سقوط الدكتاتور ماسوى ردة فعل
طبيعية لشعوب مُراهقة عاشت لعقود طويلة في كنف الاب القائد الذي كان يمدها
بلقمة العيش والاخبار والحقيقة تماماً كما يمد الآباء أطفالهم بكل شئ في
مراحل طفولتهم المبكرة. تلك الشعوب نمت وترعرعت خلال عقود طويلة وهي لاتعرف
لغة المصالح وأقتصاديات الدول ومن وكيف ولماذا يتم بناء المدن وتصميم
الشوارع وفتح قنوات الري وغيرها من الخطط الاساسية في أي دولة عصرية. هذه
الشعوب لاتدرك كل هذا, لهذا عندما نسألها كي تختار فهي تختار ذلك الذي
يتحدث بلسانها, يدغدغ عواطفها... يثير لديها الحمية والغيرة والوطنية وكل
القيم الفارغة فتنتخب بناء على ميولها العاطفية فقط.
الشعوب
المراهقة تنتخب بناء على عواطفها ليس فقط لانها شعوب تعاني من داء التدين
المزمن, بل لأن الفرد فيها كذلك لم يجد من يخاطب عقله. الاحزاب العلمانية و
اللادينية تتحمل القسط الاكبر من خسارتها المؤلمة و الباهظة أمام الاحزاب
الدينية الفارغة. فوز الاحزاب الدينية هو ليس فقط لأستخدامها الخطاب
العاطفي في الحديث مع شعب مراهق, بل بسبب فشل الاحزاب اللادينية من تكوين
خطاب ناضج يخاطب عقل المواطن ويجبر الاحزاب الدينية على التفكير بجدية في
مشاريع عملية تطرقها في خطابها. بل على العكس من ذلك, وجدنا في الانتخابات
العراقية مثلاً أن الاحزاب اللادينية بدأت تستخدم نفس الخطاب الديني
المريض, بل حتى الخطاب الطائفي المقيت في محاولة لمنافسة الاحزاب الدينية
على هذه الساحة الضيقة و القصيرة الامد من عمر الشعوب. بدل أن نرى أحزاب
حقيقية تطرح مشارع تنمية بأرقام ومخططات زمنية واضحة وتجر الاحزاب الدينية
لتغيير خطابها الى خطاب مدني يبحث في الحلول للازمات التي يعاني منها
المجتمع لا مسبباتها فقط.
من أهم أدوات الاحزاب الدينية هي التذكير و
الإرهاب. التذكير بما مضى و الارهاب مما سيأتي. تلك الادوات المريضة هي
نفس تلك الادوات التي أستخدمتها الآلهة وصانعي الاساطير طوال الاف السنين
ضد الشعوب الفقيرة و المنكوبة ببيئتها و بمحيطها. ربما أنت... حتى اليوم لا
تصنف نفسك لادينياً بل مؤمناً عميقاً بل ربما متطرفاً بالإنسان وبحق
الإنسان في الحصول على إجابات لاتسخر من عقله أو تتركهُ في دوامة من الخوف
والرهبة من المجهول. وهذا بالضبط ماتقوم عليه الاحزاب الدينية, وهذا بالضبط
مايقوم عليه الايمان الديني, الإرهاب, الإرهاب في أقسى أشكالهِ... إرهاب
الانسان الضعيف المسكون بملايين الهواجس والافكار القادمة من الماضي و
المنذرة بمستقبل سقيم وموت رهيب وعذاب عنيف في حالة عجز تمام في مواجهة قوة
عظمى تكبلهُ بالموت وتكبده كل أشكال الذل و العذاب و الهوان. هذه الادوات
لم ولن تبني يوماً مجتمعاً تسود فيه المساواة و الحريات. الخوف لايبني
الجسور و ناطحات السحاب, واللطم على الاولياء لا يرصف الشوارع أو يبني
جامعات. الخوف يدفعنا للتقوقع والانفصام عن رغباتنا الكبيرة ويزج أفكارنا
في كفاح يومي ومستمر كي تؤمن لنفسها مساحة كافية للعيش في وسط عالم يصرخ
دائماً في وجوهنا المرعوبة بأن الشر قادم.
نقولها وببالغ الحزن بأن
مرحلة صعود الاحزاب الدينية هي مرحلة طبيعية من مراحل تطور الشعوب التي
لاتقرأ تأريخ العالم ولا تتعلم من تأريخ الشعوب الاخرى. نقولها ببالغ الحزن
لان كلفة صعود الاحزاب الدينية هي كلفة باهظة للمجتمعات, طويلة الامد و
آثارها عميقة لازالت أوربا تصارعها حتى اليوم رغم أنقضاء حكم الكنيسة منذ
أجيال مضت. وهذا يحتم علينا, نحن الجيل المحترق في أتون مراهقة الشعوب التي
نعيش فيها أن نتحلى بقدر أكبر من المسؤولية و التفهم لحال الناس من حولنا.
يجب أن نتعلم كيف نتحدث لغتهم. يجب أن نتعلم كيف نخاطب عقولهم و مشاعرهم.
يجب أن نحاول كل يوم أشعال شمعة ولو كانت صغيرة بدل من أن نلعن الظلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق